سألوا حكيمًا: لماذا لا تنتقم ممّن يسيئون إليكَ؟ فرّد ضاحكًا... وهل من الحكمة أن أعض كلبًا عضّني؟!. من الطبيعي ألاّ أقف بشكل محايد ومتفرِّج على ما يجري في بلدي لبنان، هذا وبالرغم من أنّ مكتبي اللبناني يُحاول جاهدًا إبتداع الحلول بمعيّة إختصاصيين لبنانيين وبمشاركة بعض مكاتب الدراسات على مستوى إقليمي ودولي في التفتيش عن مخارج لتلك الأزمات المتأتّية من خبث سياسي وتسييس قضائي لم يمُّرا على لبنان طوال سنوات الحرب. إنّ الوضع السائد في لبنان ضرب للمؤسسات الرسميّة وأعقدها لا بل سيقضي عليها إنّ إستمّرَ على هذا المنوال، وفعلته الشنيعة هذه شلّت كل الإدارات ومن دون إستثناء.
الواقع الميداني على الصعد: السياسي، الأمني، القضائي، التربوي، المالي، الإقتصادي والإجتماعي يفرض تحركًا على مستويات عالية من الدّقة والحنكة والخبرة للتخفيف من الموجة التي تضرب لبنان، وهذه الموجة يمكن توصيفها بالغباء والإستغلال السياسي القائمين منذ سنوات. تلك الموجات من الهستيريا السياسية لا يمكن لأيٍ كان أن يتحملها، وهي دخلت كل لبنان وبشكل مزرٍ، وصلت إلى حدود الإنهيار المالي والأخلاقي–السياسي، وإلاّ كيف يمكننا تفسير منظومة "العهر السياسي" القائمة بين كل المكوّنات السياسية دون خجل ووجل.
منذ سنوات ونحن ننبّه ونُطلق النداء تلو الآخر "يا جماعة حكّموا ضميركم، الوطن سينهار، الشعب متروك لأمره"... ما من أذن تسمع، كل قاصد لبلاد الإغتراب يحمل في طيّاته "طلب الفلوس" ويقنع محاوريه أنّ الأوضاع تتطلب "فتّْ عملة"، وبرغم كل ما أنْفِقَ من مدّخرات في بلاد الإغتراب لم نلقَ أي تقدُّم ولو ملموس من هؤلاء الساسة الفاشلين وتجار شعب... هذه النماذج من سماسرة السياسة، وهناك نماذج أخرى تأتينا كلما سنحت الفرُص طالبين المال، وهذا يعني في المحصّلة أنّ كل شيء مرهون بقبض الأموال وتأسيس الشركات والحسابات الوهميّة على حساب الوطن والشعب. لا أقول هذا الكلام "لتربيح الجميلي" لكن الأمور لم تَعُدْ تُطاق، شعب يموت، لا دواء، لا مستشفيات، وبصريح العبارة لا طبابة، لا مدارس، وحدِّثْ ولا حرج عن الأقساط المدرسية والجامعية، لا مواد غذائية حيث الأسعار باتت مرتفعة وتكوي، فربطة الخبز التي هي قوت الفقير باتت من الضروريات، ما يصلني وما يصل إلى غيري يُشيِّب شعر الراس، فعلاً "إللي إستحوا ماتوا".
ما يُقال ويصل بالتواتر وبشكل واضح إننا ندرك أنّ أمكانيات كبح هذه الموجة السياسية العفنة ضئيلة، والسبب أنّ هذه الطبقة الفاسدة أعادت تكوين نفسها من جديد عبر بدعة الإنتخابات المزيّفة التي إنطلت على الجميع، بمن فيهم رجال الدين، وأخص بالذكر البطريرك الماروني الذي طالما نبهناه من خطورة قانون الإنتخابات، والذي "سيُنتج يا صاحب الغبطة ما أنتجه في المرّة الماضية فبالله عليكم إضغطوا لتعديل ما على القانون"... وقد صدق قول المثل الذي كانت تردِّده الوالدة رحمها الله عندما نلهو جهلاً "إنتِ حكي وإنتِ إسمعي"، عفوًا منكم يا صاحب الغبطة فقد طفح الكيل لستم بمعذورين. لبنان مقسوم بين نوعين من الناس، النوع الأول: شرفاء يقاومون ويناضلون هذه التأثيرات، والثاني: ساسة ضعفاء يبيعون ويرهنون الشعب والوطن، وأكثر ما أخشاه ألا أجِدَ حلاً في البلد سوى الإستسلام لهذا النمط من السياسة الفاشلة.
بما أننا من الرافضين الدخول في مرحلة الفشل والإنهزام والإستسلام وبكل ما تعنيه الكلمتان، كلّي ثقة في إحداث ثورة قضائيّة نتيجة هواجسنا التي هي محطّ أنظارنا، والتي نسعى ومع القضاء النزيه والشفّاف والمستقل إلى حل معضلاتها المتأتية من تقصير السياسين اللبنانيين.
نحن شعب اعتاد أن "يحكي بنفس الحرية"، ونحن شعب لن يموت، ولن تقوى علينا المؤامرات، نحن أحفاد من طوّعوا الصخور، نحن شعب عشق الحرية وما خاف الأحكام الإعتباطيّة والكيديّة والجائرة. نعم إننا نعوّل على قضاء مستقل ليفتح لنا الطريق للخروج من الأزمة ويقودنا نحــو مستقبل أفضل للبلد ولأجيالنا الطالعة .