هل تعود بنا الذّكريات والتّمنّيات إلى ماضٍ عبر عندما نفقد الآمال؟
هل عبثية الحياة وفقدان الأمان وازدياد اليأس، تجعل الوجود خاليّا من كلّ معنى؟
هل نشعر بأن جهودنا المبذولة عقيمة إلى هذا الحدّ أمام التحدياتنا الكارثية؟
هل مجتمعنا فاسد إلى درجة لا يمكن اصلاحه؟
هل أصبحنا في دوامة الاشمئزاز القاتل؟
هل نحن مجبرون على عيش حياة تافهة بلا معنى؟
هل حلّت التنظيرات اللاهوتية وعلم الكلام محل القدير الجبار؟
هل حلّت الخطابات السياسية والأيديولوجية محل العلاقات الإنسانيّة؟
هل فقدت الإنسانيّة إنسانيّتها؟
هل أصبحت أنسنة الإنسان أمرًا مستحيلًا؟
هل السلبية اخفت كلّ بعد إجابي في الحياة؟
هل من غير الإمكان ترميم قيمنا الأخلاقية؟
هل نريد البناء من جديد، قيم الخير والحق والجمال؟
هل وهل وهل وألف هل؟
ليست "هل" مجرد مراوغات أسلوبية، إنّما أسئلة وجودية تحتم علينا التفكر من أجل تحرير العقل من كلّ مورث وخنوع وقبول واستسلام، بل للعيش المليء بالحياة والعمل الإبداعي في خضم الصحراء القاحلة التي تشكل البيئة القاتلة لأفكارنا. لنثورنَّ على واقعنا المقلق ونحدّد من جديد خيارتنا من الحياة التي هي في حد ذاتّها دعوة وبصمة في الوجود.
إن الإشكاليات "هل" المحبطة تجتاح شبابنا وتجرفهم في ملذات وهمية تافهة لا علاقة لها في ماهية الإنسان. عصرنا اليوم بحاجة إلى صدمة إيجابية تعيد نبض الحياة إلى طبيعته، فلا يكون إنساننا الراهن شبهًا مبتذلًا لروبوتات ذكية، أو لمنصات ذكية ولمكانكيات ذكية ليصبح الإنسان الجاهل الأكبر في الوجود، فلا تعود المنتاجات في خدمته بل يصبح هو في ملء هويته مستعبدًا لها.
فهل من عمليّة إنقاذية؟ وابتكاريات إبداعية في العقل الإنساني للخروج من هذه الدوامة المستدامة؟
ليس من منقذ سوى إيقاظ البعد الروحي الذي يتحلى به الإنسان مقارنة بباقي المخلوقات لطالما تغير تعريف الفلسفات للإنسان من حيوان ناطق ثم كائن اجتماعي وكائن عاقل. فهل نحن اليوم أمام هذه التحديات والبرمجات والأدلجات، نقدم تعريفًا للإنسان يتخطى فيه الماديات، ويتم التّركيز على الروحانيات الشفافة المحررة الّتي تحاكي واقعنا. ليست روحانيات السلف الصالح، التي تم تحويلها إلى أصوليات لا تختلف عن الأيديولوجيات القاتة.
زماننا بحاجة ماسة إلى أنبياء العصر بمعنى أنبياء معاصرين يتكلمون لغتنا ويعيشون واقعنا إنّما ببعد روحاني يعيد المعنى للمعنى الضائع في ضبابيات واقعنا المظلم.
الروحانيات ليست بنج أو مخدر يأخذ منه جرعات عند الوجع، إنما هي الدواء الشافي، واختبار شخصي يعطي معنى ساميًا للحياة. فانغماس الإنسان المعاصر بالماديات التجارية والاستهلاكيّة يسرق الوقت ويسخف التأملات الفلسلفية ويفقر عقل العامة من خلال إدخاله في بطالة التفكير، لا يبقى سوى البعد الروحي الذي سيعطي معنى حقيقيًّا للماضي والحاضر وأفقًا لا محدودًا للمستقبل. لا شكّ في أنّ العودة إلى الروحانيات النقيّة هي من طرائق الخلاص لعصرنا القاحل الجاف، ونستعين بالمعجم فنرى أن "هل" يشتق منها هلل تهليلاً… وعندها نعيش الخلاص الحقيقي مستبدليّن "هل" بقول هللويا...