يعيش اللبناني حالياً في ضعضعة كبيرة، فحياته تغيّرت كثيراً منذ العام 2019 تاريخ بدء ارتفاع الدولار مقابل الليرة. في القاموس العام، لم يعد هناك شيء إسمه دولار يوازي 1500 ليرة، كان يتبقى فقط قطاع الاتصالات، حيث كانت الفواتير تدفع على هذا السعر، قبل أن يصبح على أساس دولار منصة صيرفة... ما لا يعرفه كثيرون اليوم أنّ العديد من المؤسسات، لا تزال تدفع أجور موظفيها ربما على دولار أقل بكثير من سعر الدولار الحقيقي أو المصرفي أو اذا تمّ الدفع على سعر منصّة صيرفة فالراتب يقتطع منه جزء كبير بسبب جشع وطمع بعض أرباب العمل.
هذا من جهة ولكن الحياة عادت إلى طبيعتها السابقة، خصوصاً وأن الاقتصاد أًصبح "مدولراً" بالكامل، فلم نعد نستطيع أن نعتبر أن المئة دولار مثلاً توازي 4 ملايين ليرة كمبلغ ضخم، لأنه فعلياً في السابق كانت توازي 150 الف ليرة، وبهذا المبلغ كان يمكن شراء حاجيات معيّنة لا يمكن النظر اليها اليوم بأقل من أربعة ملايين ليرة، أي بـ100 دولار، وإذا ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة أكثر سيحتاج إلى المواطن إلى مبلغ أكبر بالعملة الوطنيّة.
كلّ هذه الأمور وغيرها طرحت الأسبوع الماضي في اجتماع مغلق، جمع رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر ونائبه حسن فقيه في الاتحاد العمالي. الجلسة التي كانت صريحة حمل فيها الاتحاد العمالي سيف رفع الحد الادنى للأجور، مستنداً إلى دراسة أجرتها الدولية للمعلومات، أشارت إلى وجوب أن يتراوح الحد الادنى للأجور ما بين 23 و26 مليون ليرة، وتشير مصادر مطّلعة إلى أن "شقير ادلى بمداخلة أكد فيها أن هناك مؤسسات خاصة لن تستطيع أن تدفع هذا المبلغ (أي 20 مليون ليرة كحدّ أدنى للأجور)، فكان جواب الإتحاد بأنّه يجب انصاف العامل أولاً، وبعدها تتم معالجة كيفيّة دفع المؤسّسات، وهذا شأنها وعمالها".
توصل المجتمعون خلال النقاش في الجلسة إلى امكانية تخفيض الرقم، أي دون 20 مليون ليرة، ولكن شرط تحسين تقديمات أخرى، كبدل النقل وملحقات الأجر و"راتب العائلة" وبدل التقديمات عن المدارس. وهنا تشير المصادر إلى أن "شقير كان متجاوباً وأكد أنه سيعقد اجتماعاً للهيئات الاقتصادية لبحث كل هذه الأمور"، لافتةً إلى أن "الاسبوع المقبل سيعقد اجتماع للجنة المؤشر في وزارة العمل، بحضور ممثلين عن منظمة العمل الدولية، لاستكمال بحث هذه الأمور، اضافة إلى تعويضات نهاية الخدمة التي تعتبر المشكلة الأساس، ويسعى المعنيون إلى حلّها قبل الانتقال إلى رفع الحد الادنى للاجور".
لجنة المؤشّر هي الأساس التي تشكلت بموجب مرسوم في مجلس الوزراء، وما يتم الاتفاق عليه فيها تُحاط به علماً الحكومة، واجمالاً تصادق عليه، ويذهب إلى مجلس النواب ويتمّ اقراره. هذا من جهة ولكن من جهة أخرى يجب البحث عن آلية تطبيقه، فهل تخطو الهيئات الاقتصادية خطوة الموافقة على رفع الحد الادنى للأجور إلى ما فوق 15 مليون ليرة؟ ومن سيراقب آلية تطبيقها في المؤسسات؟.