لا نزال نعيش كلبنانيين في عالم آخر، ولا نزال نصرّ على ان لبنان يشبه البلدان الاخرى في انحاء العالم، متناسين كل التعقيدات والمشكلات التي يعيشونها على المستويات كافة، بما فيها الطائفية والمذهبية والتشريعية والقانونية. بين فترة واخرى، تعود مسألة الزواج عبر الانترنت الى الواجهة، وسرعان ما يعلو الصراخ وتبادل الاتهامات، فيدلو كل بدلوه قبل ان تعود الامور الى الواقع وتعود التعقيدات الى ما هي عليه.
"العقدة المخفية" تكمن في القوانين اللبنانيّة التي تمنع بشكل واضح وصريح اجراء اي زواج عبر الانترنت من جهة، ناهيك عن الاعتراف بالزواج المدني داخل الاراضي اللبنانيّة لدواعٍ طائفيّة ومذهبيّة لم يقبل بها رجال الدين، فبقيت القوانين على حالها في هذا المجال. ولكن البعض اراد تحدي هذا الواقع، وعمد الى اجراء زواج عبر الانترنت معتبراً ان اعتراف السلطات اللبنانية بالزواج المدني المعقود في الخارج، يحتّم عليه الاعتراف بالزواج عبر الانترنت وفق المبدأ نفسه. الا ان مصادر في وزارة الداخلية عادت الى الوراء لـ"نبش" حقيقة هذه التعقيدات، فأوضحت انّ المسألة لا يمكن حلّها بهذه البساطة، وهي مشكلة لا تملك الحل لها لانها مرتبطة بشكل وثيق بالقوانين، موضحة انها في المقابل لا يمكن التشبيه بين حالتي الزواج المدني خارج لبنان والزواج عبر الانترنت داخله، لانه في الحالة الاولى يكون المعنيان خارج الاراضي اللبنانية ولا تنطبق عليهما بالتالي القوانين اللبنانية بل هما محكومان بالتقيّد بقوانين البلد الخارجي، اما في لبنان فلا يمكنهما تخطي القوانين الا في حال رفعا قضيتهما الى القضاء واستحصلا على امر قضائي بالاعتراف بهذا الزواج، وعندها نكون قد انتقلنا الى موضوع آخر ومعطيات اخرى.
وللاستفسار عن كيفية القبول باجراء عقد زواج من الخارج لاناس داخل الاراضي اللبنانية، افادت معلومات مستقاة من وزارة الخارجية ان القناصل اللبنانيين في الخارج يعمدون الى تسهيل هذا الامر عبر ربط الزوج اللبناني بالقضاة في الدول التي يتواجدون فيها. ووفق المعلومات نفسها، فإن الوزارة كانت تلقت من المديرية العامة للاحوال الشخصية كتاباً يشرح اسباب امتناعها عن تسجيل الزواج في لبنان، واقتنعت بهذه الاسباب (كما تظهره الوثائق).
وفي معلومات خاصة لـ"النشرة"، فإنه بعد امتناع قنصل لبنان في لوس انجلوس عن تسجيل هذا النوع من وثائق الزواج، عمدت احدى الشركات في لبنان الى التواصل مع القنصل الفخري في ولاية اخرى، وهو باشر باصدار وثائق الزواج للبنانيين مقيمين على الاراضي اللبنانية لتعود بالتالي المشكلة القانونية نفسها تعصف بالمتزوجين الجدد الذين يجدون نفسهم غير معترف بزواجهم في لبنان، اذ تعمد الاحوال الشخصية الى اعادة الاوراق التي تصلها الى الخارجية مستندة الى الاسباب نفسها.
وفيما تبقى الامور معلّقة بشِباك القوانين والقناصل والشركات العاملة في لبنان، يعاني الزوجان الجديدان من المشاكل، فيأكلان الحصرم ليضرسه اولادهما اللذين لا يتم تسجيلهما، فما هو الحل؟ وفق المصدر نفسه في الداخلية، فإن الوحيد الممكن حالياً هو القيام بالاجراءات العادية للزواج المدني في حال لم يرغب الزوجان بالزواج وفق ما تنص عليه القوانين الطائفيّة، اي التوجه الى بلد اجنبي والارتباط هناك بطريقة رسمية ومعترف بها في لبنان، فتنتهي المشكلة ويصبح وضعهما قانوني من دون اي تعقيدات، والا عليهما الاستحصال على قرار قضائي يضرب القوانين اللبنانية في هذا الشأن، وهو امر اثبتت التجارب انه يصعب الحصول عليه لانه يفتح الباب امام تغيير قانون الاحوال الشخصية وهو ما تفادى الجميع مقاربته سياسياً وطائفياً منذ عقود طويلة من الزمن.
وعليه، وفي ظلّ الاصرار على الابقاء على قوانين الاحوال الشخصيّة من دون أيّ تغيير، تنصح مصادر الداخليّة والخارجيّة على حد سواء، عدم اللجوء الى الزواج عبر الانترنت حالياً لتجنّب المشاكل والتعقيدات التي يترتّب عليها مثل هذا الاجراء.