أكّد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، في كلمة له خلال حفل قسَم اليمين القانونيّة لـ34 قاضيًا أنهوا تدرّجهم في معهد الدروس القضائية، في القاعة الكبرى لمحكمة التّمييز في قصر عدل بيروت، أنّ "الواقع القضائي صعبٌ ودقيقٌ بامتياز، نجابِهه وستُجابهونه، وقد أسهمت فيه عوامل وأسباب عدّة، جوهرُها عدم وجود قانونٍ يكرّس استقلاليّة القضاء، وإرادة الجميع في وضع اليد على القضاء".
وأوضح "أنّني أعني بالجميع كلّ الفرقاء والجهات السّياسية وسواها، مع ما أسفر عنه هذا الواقع من نتائج، لناحية عدم مواكبة العمل القضائي لانتظارات الشعب اللبناني وتوقّعاته، ولن ندخُل هنا في كلّ الأسباب الّتي ساهمت بما وصلنا إليه من شِبه فوضى قضائيّة، ومن وقفٍ للعملِ في المحاكم، ومن تهجّماتٍ تطال الأداء القضائي". وأعلن "أنّنا سنَطرح خريطة طريقٍ ترمي إلى إحداث التّغيير المطلوب، وذلك وفق خطّة حقيقيّة لا وفق خطوات جزئيّة لا تأتلف مع الواقع المأزوم".
وركّز عبّود على أنّ "لبنانَنا الجديد، لبنان دولة القانون الّذي نسعى إليه جميعًا، لا يمكن أن يتحقّق من دون قضاء مستقل، ولا قضاء مستقلًّا من دون إقرار قانون جديد يضمن استقلاليّة القضاء، وقد أثبتت التّجربة أنّ إرادة التّغيير وحرّيّة القرار غير المسندتَين إلى قانون يكّرس الاستقلاليّة، بقيتا عاجزتين عن إحداث الخرق المطلوب".
وشدّد على أنّ "لا قضاء مستقلًّا من دون تشكيلات قضائيّة شاملة، وضعها ويضعها مجلس القضاء الأعلى دون سواه، الّذي من المفترض أن يكتمل تشكيله ويفعّل بأداء منسجم، مع الإشارة إلى أنّ كلّ هذه التّشكيلات ترتكز على معايير موضوعيّة واضحة، وتستند إلى تقييم حقيقي وصحيح لعمل كلّ قاض وأدائه". وذكر أنّ "التّجربة قد أثبتت أيضًا، أنّ السّلطة السّياسيّة بمختلف مكوّناتها، وقفت سدًّا منيعًا أمام كلّ هذه التّشيكلات الكاملة والجزئيّة، مجهضةً إيّاها بذرائع عدة، ليس من بينها تأمين حسن سير المرفق القضائي، إنّما تأمين مصالحها الخاصّة ومصالحها فقط".
كما بيّن أنّ "لا قضاء مستقلًّا من دون متابعة للتّنقية الذّاتيّة، ومن دون تفتيش قضائي فاعل ومبادر؛ ولا قضاء مستقلًّا من دون تفعيل لعمل المحاكم وللملاحقات القضائيّة، ومن دون استكمال التّحقيق في انفجار مرفأ بيروت"، لافتًا إلى أنّ "لا قضاء مستقلًّا بلا تأمين مخصّصات ورواتب تأتلف مع خطورة المسؤوليّات الملقاة على عاتق القاضي وأهميّة ما يؤدّيه، ومن دون إعادة تجهيز المحاكم وقصور العدل وتأمين مستلزمات العمل القضائي وموجباته، علمًا أنّ القضاء لم يكن ليصل إلى اعتكاف مبرّر، لو تمّ التّجاوب مع مطالبه البديهيّة والمحقّة بهذا الصّدد".
وجزم عبود أنّ "لا قضاء مستقلًّا من دون تأمين شروط حُسن اختيار القضاة ومتابعتِهم ومراقبتِهم ومحاسبتهم، ولا قضاءَ مستقلًّا بلا إسكات كلّ التّهجمّات غير المبرّرة، والإجابة عنها بأداءٍ قضائيّ سليم"، مشيرًا إلى أنّه "وقت إحداث التّغيير المطلوب، زمن السّير بالإصلاح الّذي يتطلّب ثورةً في المقاربات والأفكار والأداء، ووحدة قضائيّة، ومواكبةً من سائر السّلطات ومن الإعلام وهيئات المجتمع المدني. وها نحن نمدّ يد التّعاون إلى السّلطتَين التّشريعيّة والتّنفيذيّة، لتحقيق ما يتعلّق بهما ضمن فترة معقولة ومقبولة، لأنّ ترف الانتظار لم يعد متوافرًا".
ودعا إلى أن "نسعى معًا ولنتحمّل النّتائج أيًّا كانت، فلم يعد من مجالٍ لأنصاف الحلول، ولنتشارك جميعًا في مشروع إنهاض القضاء للوصول به إلى ما نسمو به ومعه، ولننتقل من تشاؤم العقل وتشاؤم الإرادة، إلى إرادةِ التّفاؤل والفعل". وتوجّه إلى القضاء الجُدد، قائلًا: "لا تيأسوا، لا تَقنَطوا، ولا تستسلموا، بل اصمُدوا وجابهوا وتميّزوا، لأنّ القضاء ولبنان بحاجة إليكم، ولأنّ لا قيامة للبنان من دون قضاء جديد ومستقل".