بعيداً عن الدعوات والمواقف المعلنة التي تؤكد الحرص على إنجاز الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن، بات هناك شبه إجماع بين القوى المعنية على أن الأمور مقفلة على المستوى الداخلي، خصوصاً أن الكل لا يزال يرفض التنازل عن السقوف العالية التي كان قد ذهب إليها.
هذا الواقع، يعني صعوبة خيار "لبننة" الإستحقاق، بغض النظر عن حرص البعض على التأكيد بأن الفرصة لا تزال متاحة، لا سيّما أن هذا الأمر لم يحصل في لبنان منذ الإستقلال، وبالتالي المطلوب إنتظار حراك قوي يأتي من خارج الحدود، لا تزال مؤشراته، حتى الآن، دون المستوى الذي يقود إلى التسوية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ كل النقاشات القائمة على المستوى الداخلي تأتي في إطار تجميع أوراق القوة، حيث تلفت إلى أن القوى المؤيدة لترشيح رئيس حركة "الاستقلال" النائب ميشال معوض تدرك جيداً أن فرصه معدومة، لكنها في المقابل لا ترى أن هناك مبرراً للتراجع عنه، طالما أن الفريق الآخر لم يذهب إلى تحديد خياراته بشكل علني، وبالتالي فتح "البازار" الرئاسي على مصراعيه.
على الضفّة المقابلة، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ قوى الثامن من آذار تتعامل مع خيار ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية على أنه أكثر من جدّي، ولذلك تسعى إلى عدم إقفال الأبواب أمامه بالرغم من الإختلاف في وجهات النظر حول هذه المسألة مع "التيار الوطني الحر"، الأمر الذي تجلى بالمساعي التي قادت إلى حصر تداعيات المواقف التي كان قد أطلقها النائب جبران باسيل من باريس، لكنها تدرك أيضاً أن حتى إقتناع رئيس "الوطني الحر" بترشيح فرنجية لا يعني القدرة على إيصاله إلى رئاسة الجمهورية.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هناك قناعة لدى القسم الأكبر من القوى السياسية بأن المطلوب أن يكون هذا الإستحقاق بوابة العبور إلى مرحلة جديدة، الأمر الذي لا يمكن أن يتم من دون توافق واسع لا يعني بالتأكيد الإجماع، خصوصاً أن تركيبة المجلس النيابي الحالي لا تسمح بذلك، في حين أن الأوضاع في البلاد، لا سيما على المستويين المالي والإقتصادي، لا تحتمل تكرار تجربة الإنقسامات الحادة، التي سيكون عنوانها الوحيد هو العرقلة والتعطيل.
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر السياسية المتابعة أن الجميع ينتظر "الوسيط" القادر على تقريب وجهات النظر بين الجميع، وتشدد على أنه في الداخل اللبناني ليس هناك من هو قادر على لعب هذا الدور، بعد إجهاض الدعوة إلى الحوار التي كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري ينوي القيام بها، ما يعني أن الرهان هو على حراك خارجي قوي، يكون قادراً على التواصل مع القوى الدولية والإقليمية المؤثرة، أي أميركا وإيران والسعودية.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أنّ الجانب الفرنسي هو الوحيد القادر والذي يبدي رغبة في ذلك، مع وجود مصالحه الواسعة في الداخل اللبناني، الأمر الذي يبرر التركيز الدائم عليه، تشدد على أن الحراك الذي تقوم به باريس لم يخرج، حتى الآن، عن الإطار الإستطلاعي، الذي من الممكن أن يمهد الطريق إلى ما هو أوسع في المرحلة المقبلة، في حال توفرت الظروف المساعدة على هذا الصعيد، لا سيما لناحية التعاون معها من جانب القوى الخارجية المؤثرة.
في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أن الوقت الفاصل يسمح بطرح مجموعة واسعة من السيناريوهات التي لا تبدو منطقية، مع العلم أن الجميع يتعامل مع هذا الإستحقاق على أساس أن المشاورات والإتصالات الجدّية لن تبدأ قبل نهاية العام الحالي، إلا بحال حصلت تطورات كبيرة على المستوى الداخلي، لا يبدو أن هناك من مؤشرات جدية لإمكانية حصولها.