تقدم الانتخابات الرئاسية اللبنانية للجميع، مساحة تسلية وترفيه في الشكل والمضمون. ففي الشكل، من غير المألوف بتاتاً ان تكون الاسماء التي يتم تداولها في الجلسات الانتخابية هي الاقل حظاً في الفوز، فيما هناك اسماء اخرى لم تطرح هي الاكثر جدية للوصول الى الغالبية المطلوبة. والاكثر تسلية في الموضوع الانتخابي، هو انه على خلاف اي دولة في العالم، وعلى الرغم من الاهمية التي يروّج لها الداخل والخارج للرئيس المقبل وتصويره على انه يحمل الخلاص للبنان (فيما لا تزال صلاحياته محدودة، وقدرته على احداث اي تغيير مرتبط بالتفاهمات التي سيجريها مع الاطراف الاخرى في الخارج والداخل اياً كان اسمه)، فإن اياً من المرشحين او الذين يتم ترشيحهم، لا يقدم برنامجاً انتخابياً، بل يتم تقديمه عن المرشحين سلفاً ويكون عاماً الى حد انه ينطبق على الغالبية الساحقة من اللبنانيين، ولا تنحصر المنافسة بين اسمين، بل حين يتم التوافق على الاسم، تسقط كل الاسماء الاخرى التمويهية ويبقى الاسم الوحيد، وكأننا في مزاد علني.
هذا من حيث الشكل، اما من حيث المضمون فالكلام مشابه تقريباً، لان كل من يصل الى سدة الرئاسة يعد بتحقيق امور يطمح اليها كل البشر الى اي مجتمع او بيئة او بلد انتموا، وسرعان ما تبدأ هذه الوعود بالتلاشي شيئاً فشيئاً وعاماً بعد عام الى ان نصل الى ما بعد منتصف الولاية بقليل، فيتم استهداف الرئيس والتخفيف من صورته وحضوره على الساحة تمهيداً لالهاء جديد حول الاستحقاق الرئاسي واعادة تصويره على انه سيكون الخلاص المرتقب للبنان. وفعلياً، اثبتت التجارب ان اي رئيس سيكون محكوماً بالتسوية مع الافرقاء، والا سيخسر تأييد ربع او نصف اللبنانيين الذين، وللاسف، يتبعون رؤساء الاحزاب والسياسيين والطائفية حين تقضي الحاجة. وبمجرد ان يسير على طريق التسوية، يفقد الرئيس، اي رئيس، شخصيته وطبعه الخاص، ويصبح كغيره من الرؤساء اما معزولاً اذا لم يرغب في التسوية، واما مكمّلاً للعدد المطلوب لاكمال اللعبة والترقيع عند اللزوم، ويكون الجميع راضياً ومسروراً الا من يريد بالفعل احداث او لمس تغيير حقيقيي يحصل على صعيد التعاطي مع المواطنين وشؤونهم ووضع سياسات اقتصادية ومالية وصحية واجتماعية وعسكرية وامنية وحياتية ومعيشية، قادرة على استشراف مستقبل مضمون خال من المفاجآت اليومية التي تفرض نفسها وفق كل حدث، وتعدّل الخطط والمشاريع الموضوعة والتي تطلبت دراسات و"عصف فكري" مخيف.
هذا هو حال الرئيس الذي سيسكن قصر بعبدا، ومهما قيل غير ذلك لن يحمل اي مصداقية، والتجربة على مدى عقود من الزمن خير برهان على ذلك. ومن الآن يمكن القول ان الرئيس المقبل سيجول على العالم من اجل "اعادة صورة لبنان وحضوره على الساحة الدولية"، وسينسج علاقات مع الدول الشقيقة والصديقة لاعادة وصل ما انقطع، وسيعمل من اجل توحيد اللبنانيين ومنع الفساد والهدر وارساء خطط مستقبلية تضع لبنان على الطريق الصحيح لاستعادة عافيته ودوره. هذه المصطلحات التي ترددت في كل عهد وكل ولاية رئاسية منذ ما قبل الطائف وحتى بعد عشرات السنوات من بعده، فكانت القاسم المشترك بين كل الرؤساء، اضافة الى قاسم آخر وهو ان احداً منهم لم يستطع تحقيق هذه الاهداف، فاكتفى بترداد العبارات ورضي بما قام به، معتبراً انه ادى قسطه للعلى في بلد مثل لبنان، وهو مقتنع انه نجح في احداث الصدمة المطلوبة.
هذا هو الرئيس المقبل للبنان، والذي لن يظهر الا بعد حصول التوافق والتسويات الخارجية والمحلية، والتي لن تكون بطبيعة الحال في العام 2022، بل في العالم المقبل وفق التوقعات والمعلومات.