لم يعد الكلام الذي يدلي أو قد يدلي به أي مسؤول، أياً يكن منصبه أو المسؤولية التي تقع على عاتقه أو حجم الذي يقوله، يؤثّر أو يفعل فعله أو يصل إلى الأذهان.
في لبنان تسير الأمور في اتجاه وفي العالم بأسره في إتجاه آخر مختلف تماماً، ففي الوقت الذي كان يتحدث فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الأوضاع والعقوبات والدين والليرة، كان مساعد أمين عام الأمم المتحدة لشؤون حقوق الانسان اوليفييه دو شوتر، الذي حضر إلى لبنان وأعد تقريراً، يتحدث في مجلس النواب البلجيكي بكلام خطير جداً، واصفاً المشكلة المالية في لبنان بـ"الجريمة ضدّ الانسان".
يقول اوليفييه دو شوتر، في مداخلته أمام مجلس النواب البلجيكي، إن مصرف لبنان، وهو صاحب الثروة الوطنية، يعتبر واحداً من المؤسسات الاشكالية من ناحية الشفافية، ويرى أن ممارسات مصرف لبنان انحرفت عن المعايير الدولية، خاصة لناحية عدم الإفصاح عن صافي الاحتياطيات السلبية التي تبلغ مليارات الدولارات، وهذه الخسائر تُفرض على صغار المودعين الذين تبخرت أموالهم، في حين لم يتم التدقيق في أي من ممارسات مصرف لبنان من قبل لجنة برلمانية.
ويلفت دو شوتر إلى أن "التقديرات تشير إلى أن 60٪ من عقود الدولة، بين عامي 2008 و2018 بقيمة إجمالية قدرها 1.9 مليار دولار، تمت ترسيتها على 10 شركات مرتبطة سياسياً"، معتبراً أن "في هذا الأمر تضارب هائل في المصالح يتخطى النظام السياسي بأكمله"، كاشفا أنه "خلال زيارته الى بيروت تمكن من تقدير أن 43٪ من أصول البنوك كانت في أيدي أشخاص مرتبطين سياسياً، وأن 18 من البنوك التجارية العشرين يسيطر عليها مساهمون مرتبطون بأعضاء سياسيين".
إذاً، علت الأصوات في الأمم المتحدة التي درست ملف لبنان وعاينته وشوتر أحدهم، وهو أعلن بالمختصر أن المصارف بأيدي سياسيين ولا رقابة على مصرف لبنان. وفي هذا الاطار يرى الخبير الاقتصادي ميشال فياض، في تصريح لـ "النشرة"، أن "شوتر محقّ فيما قاله بشأن تضارب المصالح بين البنوك والعديد من السياسيين، وحول انعدام الشفافية في القطاع المصرفي، وهو فقط يصف نظام البنوك الذي نعيش فيه في لبنان"، معتبرا أنه "محق أيضاً في الحديث عن أن مصرف لبنان لا يتسم بالشفافية وأن سياسته لا تحترم المعايير الدولية. كما أنه محق في القول إنه لا توجد سيطرة برلمانية، وهو ما قد يكون السبب في أن صندوق النقد الدولي قد اشترط مساعدة المجلس النيابي على استكمال التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، إما لأن أعضائه مساهمون أو لأنهم يشغلون مناصب في مجالس إدارة هذه البنوك، أو لأن مصرف لبنان أو البنوك سمحوا لهم بسحب أموالهم من لبنان، أو لأن مصرف لبنان أو البنوك غضوا الطرف عندما كانوا يختلسون المال العام".
يجب التوقّف عند هذا الكلام، فلا يعقل أن يخسر المودعون أموالهم في حين أن أعلى المنابر الدولية تقول بصراحة إن السياسيين شركاء المصارف والفساد مستشري في مصرف لبنان.