بعد نهب أموال الشعب في أكبر عملية نصب، وبعد سنوات وسنوات من هدر المال العام والصفقات السياسية التي أدت الى ما وصلنا اليه من إنهيار إقتصادي ومالي، لطالما إعتبر اللبنانيون أن القضاء اللبناني يتحمّل مسؤولية كبيرة لعدم ملاحقته المرتكبين أو إطلاق سراحهم أو التغاضي عن فتح ملفات الفساد أساساً.
ما يحصل في تحقيقات فساد النافعة يظهر العكس تماماً. فالمحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب فتحت الملف على مصراعيه وكثّفت تحقيقاتها وصولاً الى توقيفها أكثر من ستين شخصاً بين مدير وموظف ومعقب معاملات، والحبل عالجرار لناحية التوقيفات لأن التحقيقات لا تزال مفتوحة لدى الخطيب وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وكل المعطيات الأمنية والقضائية ترجح مزيداً من التوقيفات كل ما توسع التحقيق، ومزيداً من الفضائح والإرتكابات التي كانت تحصل في السنوات الماضية وبشكل منظم كل ذلك على حساب جيوب المواطنين.
أخطر وأسوأ ما تتعرض له تحقيقات النافعة يمكن إختصاره بأمرين أساسيين:
الأول هو محاولة تطييف الملف ومذهبته وتسييسه من قبل بعض المدافعين عن المرتكبين من سياسيين وصحافيين.
تارةً نسمع نغمة أن "القاضية الخطيب السُنّية، لا تلاحق إلا الموظفين السُنّة ولا تتجرأ على توقيف أي مرتكب من غير طائفتها"، علماً أن الموقوفين يتوزعون على كل الطوائف والمذاهب، بينهم من هو سني أو شيعي وحتى درزي، وبينهم أيضاً الماروني والأرثوذوكسي والكاثوليكي.
وتارةً أخرى تتحول هذه النغمة من التطييف والمذهبة الى التسييس، إنطلاقاً من مقولة إن الخطيب تريد من خلال ملف فساد النافعة أن تحاسب الموظفين المحسوبين على تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، وفي الواقع يتبين أن ما من هوية سياسية واحدة للموقوفين، منهم من هو محسوب أو مقرب الى تيار المستقبل ومنهم من هو محسوب أو مقرب من ثنائي حزب الله وحركة أمل، منهم من هو عوني أو قواتي الهوى، وهناك حتى من بينهم مقربون ومحسوبون على الكتائب وتيار المرده.
أما الأمر الثاني الذي يمكن تصنيفه ضمن خانة أسوأ وأخطر ما يتعرض له ملف فساد النافعة، فيتمثل بلجوء فريق الدفاع عن رئيسة هيئة إدارة السير الموقوفة لدى شعبة المعلومات هدى سلوم، الى إغراق العدلية بدعاوى الرد والمخاصمة لعرقلة تحقيقات القاضية الخطيب، وهو ما تصدّت لجزء منه محكمة الإستئناف المدنيّة في جبل لبنان بالأمس برئاسة القاضية ريما شبارو، والتي ردت دعوى الردّ المقدّمة ضد الخطيب من قبل محامي سلوم مروان ضاهر.
تكرار سيناريو تعطيل تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت في ملف فساد النافعة هو التعسّف بحدّ ذاته في إستعمال حقوق الدفاع. وإذا لم تقع في فخّه بالأمس غرفة القاضية شبارو المؤلّفة من عضوية المستشارين القاضية كرمى الحسيكي والقاضي نضال الشاعر، فعلى الغرف المتبقية في محاكم الإستئناف أو التمييز التنبّه لهذا الأمر الخطير، والمثال الأوضح على ذلك تحقيقات مرفأ بيروت.