حذرت مصادر ماليّة مطلعة ممّا يمرّ به لبنان من مرحلة دقيقة جدا بانتظار التسوية السياسية التي ستؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، واعادة إقرار خطّة إصلاحية على أسس سليمة وواضحة وعلمية من قبل مجلس الوزراء تتزامن مع مشاريع القوانين في المجلس النيابي. وانتقدت المصادر عبر "النشرة" كل ما يجري على المستويين التشريعي والنقدي، واصفة ما يحصل بالتخبط وغير العلمي ليس مبنيًّا على رؤية واضحة وقد يؤدي الى مزيد من التدهور الاجتماعي والاقتصادي...
واذا كانت الأمور بهذا السوء قبل بدء تنفيذ الدولار الجمركي على الـ15 الف ليرة، فما هي التداعيات مع التطبيق، وهل ستتمكن الحكومة من تحصيل الإيرادات المرجوّة أم ستعمد مجددا الى طباعة العملة وكيف سيتأثر سعر الصرف؟!.
نائب الرئيس وعميد كلية الاقتصاد في جامعة الحكمة د.جورج نعمه عبّر عن تأييده لما ذكر آنفًا مشيرا الى انّ التحذير في محله، لأن العمل جار على مستويين تشريعي ونقدي: بالنسبة للأول نعرف أن مجلس النواب ينكبّ منذ مدة طويلة عليه ويكثّف البحث على موضوع قانون "الكابيتال كونترول" في اللجان النيابية، والثاني يأتي بالتزامن حيث التحضيرات جارية حيال اعادة هيكلة القطاع المصرفي مما يفترض أن يترافق ما يجري مع خطة نهوض وإصلاح مالي لاتوافق عليها بعد بشكل رسمي من قبل المجلس النيابي حتى انها لم تقرّ بعد من قبل مجلس الوزراء.
وأوضح د.نعمه في حديث لـ"النشرة" أن المشكلة هي بالمسار التشريعي للإصلاح المالي الّذي يأخذ الكثير من الوقت، ونحن نسمع عنه منذ أكثر من سنتين ولا نتيجة حتّى اليوم، في الوقت عينه تقوم السلطات النقدية أو بالأحرى مصرف لبنان باتخاذ العديد من التدابير استباقا أو تحضيرا لما ستؤول اليه الأمور بالنصوص التشريعية.
وأردف أنه في حال إقرار "الكابيتال كونترول" سنرى تداعيات كبيرة على الداخل اللبناني ودعا لوقف الاستنسابية بالتحويلات الى الخارج والتعامل مع المودعين. ولفت الى أنه سيؤدي الى الغاء كل تعاميم المصرف المركزي، وهذا ما أقر به الحاكم (رياض سلامة) خلال مقابلة تلفزيونية معه مما يفقد المصرف المذكور لأدوات كثيرة يستخدمها اليوم بغض النظر عن نتائجها بسبب نتائجها السلبية. وسيجعل غير قادر على التأثير في السوق كما في السابق خلال السنتين المنصرمتين. وهذا يوضح العلاقة بين المصرف والمودع لناحية السحوبات الداخلية طبعا سيكون له آثار اجتماعية.
وتابع نعمه قائلا، انه من جهة ثانية فان مصرف لبنان بدأ استباق ما ستؤول اليه الأمور بقانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي باتخاذ إجراءات تتعلق ببعضه ونشير الى 3 بنوك تم تعيين مدير عليها يحل مكان مجلس الإدارة للتحضير لورشة اصلاحيّة داخليّة والتأكّد من استمراريتها او تصفيتها. وهذا ما كانت أكّدت عليه الخطة الحكومية.
ولفت الى ان أهمية الموضوع تكمن الى ان ما يجري هو عبر التأكّد من السيولة والملاءة ونسبة رأس المال وهذه معايير بازل 3 بالقطاع المصرفي وجب أن تتطبق علميا من دون استنسابية بين المصارف والمساهمين، لكن حتى اليوم لا توجد أسس علمية واضحة حول كيفيّة التعاطي مع متطلبات المصارف من ناحية ومتطلبات مصرف لبنان من ناحية ثانية التي تشكل شهادات الإيداع التي وضعتها البنوك لديه، إذ أن هذا الأمر ناقص وغير مبني على قواعد سليمة، لذلك علينا أن ننتظر قانون إعادة الهيكلة كي تكون الورشة جدية لكل القطاع. الا أن هذه الخطوات تؤخذ اليوم بشكل استباقي، أو غير مبني على نظرة واضحة حيث تعمل السلطة التشريعية ببطء في وقت تأخذ السلطة النقدية تدابير هي تراها جيّدة ولكن لا يمكن أن تكون موضوعيّة من دون أقرار كل هذه المشاريع القوانين وخطة الإصلاح.
وردا على سؤالنا : هل ستتمكن الحكومة من تأمين الايرادات المرجوة في الموازنة ما هي خياراتها وبأية كلفة تداعيات؟
واعتبر عميد كلية الاقتصاد في جامعة الحكمة أن هناك حاجة لتأمين ايرادات إضافية للدولة اللبنانية متسائلاً هل ستأتي من الضرائب؟ أم سيطلب من مصرف لبنان طباعة أموال اضافية؟ وهذه هي الإشكالية الأساس التي تطرح اليوم، حيث كان المصرف المذكور يطبع كمية كبيرة جدا من الليرة اللبنانية ويطرحها في السوق والكتلة النقدية في مطلوبات مصرف لبنان التي تظهر في ميزانيته تشير ان مطلوباته زادت من 38 الف مليار الى اكثر من 70 الف مليار خلال هذه فترة 5 أشهر، وهذا الأمر له تداعيات كبيرة جدا على سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، الّذي سيستمر بالتصاعد ويُفقد المزيد من قيمة الليرة.