على الرغم من أن غالبية القوى والشخصيات، تدرك جيداً أن مواقفها غير قادرة على إحداث أي خرق جدي في الإستحقاق الرئاسي، لا يزال بعضها مُصر على الذهاب إلى المعارك الجانبية، كمسألة نصاب الجلسات النيابية المخصصة للإنتخاب، أو طرح المبادرات التي يعلم مسبقاً نتيجتها، وكأنّ المطلوب فقط أن يقال أن هناك حراكاً داخلياً من الممكن أن يأتي بالنتيجة المرجوة.
في لبنان، تلعب العوامل الخارجية الدور الحاسم في الإستحقاقات المهمة، لا سيما الرئاسية منها، وهذا الأمر كان حاضراً بشكل دائم في مختلف الظروف، سواء كانت عادية أو إستثنائية، واليوم هناك شبه إجماع، في ظل الأوضاع الراهنة على المستويين المحلي والدولي، على أن دور تلك العوامل سيكون أكبر.
في هذا السياق، تلفت مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه على الرغم من كل ما يعلن في المواقف الرسمية، فإن غالبية القوى السياسية سلمت بعدم القدرة على إنتخاب رئيس إلا بعد وضوح صورة التطورات القائمة على مستوى المنطقة، خصوصاً أن اللاعبين الدوليين والإقليميين يعتبرون أن هذه التطورات من الممكن أن تقود إلى واقع جديد، في حين هم ليسوا في وارد التسليم بإبعاد لبنان عما يحصل من حوله.
من وجهة نظر المصادر نفسها، الأمر الإيجابي الوحيد الذي من الممكن تسجيله هو عدم الرغبة بالمس بالإستقرار المحلي من قبل أي جهة خارجية، على الأقل حتى الآن، حيث التأكيد الدائم على أهمية عدم الوصول إلى هذه المرحلة، الأمر الذي يترجم من الناحية العملية بالدعم الذي يقدم إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، بغية الحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار، خصوصاً أن هؤلاء اللاعبين ليسوا في وارد الوقوع في أزمة كبرى على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وتشير هذه المصادر إلى أنه بحسب المعلومات المتوفرة فإن الإهتمام الخارجي بالملف اللبناني لا يزال دون المستوى الذي من الممكن أن ينتج حلولاً، ما يعني أن الشغور في موقع الرئاسة الأولى قد يطول، على عكس المعطيات التي كانت قائمة بعد الإنتخابات النيابية الماضية، حيث الحديث كان عن ضرورة الذهاب إلى تسوية سياسية بأسرع وقت ممكن، وتضيف: "في الوقت الراهن، الجميع يدعوا اللبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم، ما يعني أن ليس لديهم ما يقدموه، لا سيما أنهم يدركون أن اللبنانيين غير قادرين وحدهم على إنتاج الحلول".
في الأيام الماضية، برزت معلومات عن أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يسعى دائماً إلى لعب دور راعي الحوارات، في طور الذهاب إلى مبادرة جديدة، بعد فشل السابقة نتيجة موقف كل من "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" منها، تقوم على أساس عقد لقاءات ثنائية مع القوى السياسية أو الكتل النيابية.
حول هذا الموضوع، تلفت مصادر سياسية، عبر "النشرة"، إلى أن ليس من السهل على رئيس المجلس النيابي أن ينجح في تقديم أي حل من الممكن الركون إليه، لا سيما أن العديد من القوى السياسية، سواء كانت من الحلفاء أو الخصوم، تنظر إليه على أساس أنه فريق في هذا الإستحقاق، وبالتالي لا تتعامل معه كمحايد، لذلك تعتبر أن الهدف من الدعوة، في حال حصولها، لن يتجاوز السعي إلى تخفيف الإحتقان وتمرير الوقت.
في المحصلة، تشير هذه المصادر إلى أن بري يدرك أكثر من الجميع، بسبب خبرته السياسية، أن الإستحقاق لن يكون داخلياً فقط، لكنه في المقابل قد يكون في وارد العمل على تمهيد الأرضية المناسبة لمواكبة أي تطور خارجي إيجابي، أو على الأقل الحد من تداعيات أي تطور سلبي على الساحة المحلية، وبالتالي هو في حال نجح في تأمين التوافق على ضرورة الحوار، من أجل الوصول إلى تسويات والإنتهاء من مرحلة التحدي، يكون قد حقق إنجازاً كبيراً.