على الرغم من غياب المؤشرات الجدية على بدء عملية العد العكسي للإنتهاء من حالة الشغور على مستوى الرئاسة الأولى، خصوصاً أن البلاد قد تكون، في المرحلة المقبلة، على موعد مع مجموعة من السجالات الدستورية الحامية، بالنسبة إلى إجتماع حكومة تصريف الأعمال أو إنعقاد جلسة تشريعة لمجلس النواب، برزت، في الأيام الماضية، بعض المواقف التي من الممكن إعتبارها بمثابة "سلم" النزول عن شجرة التعطيل الرئاسية.
في هذا السياق، بات من الواضح أن بعض قوى المعارضة، لا سيما تلك الداعمة لترشيح رئيس حركة "الاستقلال" ميشال معوض، بدأت تشعر بأنها غير قادرة على الإستمرار في هذا الترشيح، خصوصاً بعد أن فشلت في تأمين الإجماع عليه بين الكتل التي كانت تسعى إلى التفاهم معها حول هذه المسألة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الأصوات التي كان ينالها في الجلسات النيابية المخصصة لإنتخاب رئيس الجمهورية.
هذا الواقع، ترى مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، كان معوض نفسه أبرز المعبرين عنه، بعد إنتهاء الجلسة الماضية، حين أبدى إستعداده للإنسحاب في حال الإتفاق على إسم آخر، بينما كان قد سبقه إلى ذلك السجال ما حصل بين كل من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، فبعد أن كان الأول قد اعتبر أن الحوار مع "حزب الله" غير مجد، ذهب الثاني إلى الإعلان عن رفضه هذا الموقف واصفاً إياه بالعبثي، ما يعني الإختلاف الكبير في التوجهات بين أبرز قوّتين داعمتين لرئيس حركة "الإستقلال".
بالتزامن، تشير هذه المصادر إلى ضرورة عدم تجاهل المواقف التي يعبر عنها "حزب الله"، حيث تلفت إلى أن الحزب، بعد المواصفات التي كان قد وضعها أمينه العام السيد حسن نصرالله، بدأ يتحدث عن أن المطلوب رئيساً، بحسب ما عبر نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، لديه همّان أساسيان: الأول إنقاذ البلد اقتصادياً، والثاني أن يكون قادراً على الحوار مع كل الأفرقاء ليجمعهم من أجل التباحث في القضايا الخلافية والمستقبلية، على أن تحال القضايا الخلافية السياسية إلى الحوار، ومن هذه القضايا "الاستراتيجية الدفاعية".
من وجهة نظر المصادر نفسها، هذه المواقف من جانب الحزب، الذي لا يزال يواجه أزمة غياب التفاهم بين حلفائه حول دعم ترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، وهو ما يتم التعبير عنه بالإستمرار في خيار الورقة البيضاء، تؤكّد أنه ليس في وارد الذهاب إلى فرض مرشّحه على الآخرين، حتى ولو نجح في تأمين التوافق على مرشحه مع الكتل الحليفة له، وبالتالي السعي إلى تأمين الأرضية المناسبة لحوار من الممكن أن ينتج إتفاقاً على الإسم، بغض النظر عما إذا كان مرشحه غير المعلن أو شخصية أخرى يطمئن لها، الأمر الذي تؤكد أنه من المؤشرات الإيجابية التي يمكن البناء عليها.
في هذا الإطار، تشدد المصادر السياسية المتابعة على أن ما تقدم لا ينفصل عما يحصل على المستوى الخارجي من حراك، حتى ولو لم يصل إلى المستوى القادر على إنجاز التسوية الرئاسية، بسبب الإختلافات في وجهات النظر بين اللاعبين المؤثرين في الساحة اللبنانية، حيث تلفت إلى أن الجانب الفرنسي، تحديداً، لا يزال مصراً على تسريع إنجاز الإستحقاق الرئاسي، وهو في ظل الإنشغال الأميركي بملفات أكثر أهمية قد على لعب دور أكبر، خصوصاً أن واشنطن تقدر كثيراً الدور الذي لعبته باريس في إنجاز إتفاق ترسيم الحدود البحرية.
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الحراك، من الناحية المبدئية، لا يزال يدفع بأوراق قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى الإمام، لا سيما أنه من البداية لا يصطدم بأي "فيتو" خارجي، بينما لم تظهر المؤشرات الداعمة لخيار التوافق على سليمان فرنجية، على الأقل حتى الآن، خصوصاً من الجانب السعودي، نظراً إلى أن وصوله يحتاج إلى تسوية أشمل، من المفترض أن يكون من ضمنها إسم رئيس الحكومة المقبلة وصيغتها، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى إحتمال التوافق على عون.
في المحصلة، هي بعض المؤشرات التي توحي بأن القوى المحلية غير قادرة على تحمل فراغ طويل بسبب الظروف التي تمر بها البلاد على كافة المستويات، الأمر الذي أكد عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في أكثر من مناسبة، وهو ما قد يتعزز بشكل أكبر في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما برزت معطيات سلبية أخرى، لكن في مطلق الأحوال الجميع ينتظر ما إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور لبنان، خلال فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، من أجل تفقد كتيبة بلاده العاملة ضمن قوات "اليونيفيل".