انقلبت للاسف المقولة التي اطلقها رئيس الجمهورية السابق امين الجميل في ثمانينات القرن الفائت ومفادها "اعطونا السلام وخذوا ما يدهش العالم"، الى واقع آخر بات مفروضاً على لبنان ان يعيشه كي يبدأ مرحلة التعافي والخلاص من ازماته وهي: "اعطونا الحرب وخذوا ما يدهش العالم". هذه الدعوة لا تأتي من لبنان، بل من الدول الخارجية التي تتحكم بمصير الشعوب، خصوصاً تلك التي لا تقيم وزناً لنفسها ويهمها ان تنقلب على بعضها فتحقق مكاسب طائفية او مذهبية او سياسية كرمى لعيون هذا الزعيم او ذاك. اساس هذه المقولة الجديدة هو ما يحصل في اوكرانيا، وموقف العالم منه، مليارات ومليارات تتدفق الى هذا البلد، نبع لا ينضب من الاموال للتعويض عن الحرب التي تسبب بها الغرب وسارت بها روسيا برضاها، ودفع ثمنها الاوكرانيون من دون ان يعلموا. منذ ايام، تم قطع الكهرباء عن كييف، وما هي الا ساعات حتى صدرت التصريحات والمواقف المؤكدة العمل على تأمين مولدات كهربائية لوضعها في تصرف سكان المدينة، اضافة الى ارسال فرق وخبراء للعمل على توفير كل المستلزمات لاعادة التيار الكهربائي، وهذا ما حصل بالفعل، وهذه عينة بسيطة مما يفعله الغرب لاجل الاوكرانيين. وقد يقول قائل ان هذا الامر لا يستحق العودة الى الحرب وويلاتها، وان لبنان ليس اوكرانيا، ولكن على من يتبنى هذا القول ان يسأل نفسه عن الحرب اليومية التي يعيشها اللبنانيون على جبهات اكثر خطورة من الرصاص والقذائف، من معيشية الى صحية الى اقتصادية ومالية، الى... وعليه ان يستمع الى اللبنانيين الذين يؤكدون ان ايام الحرب كانت افضل من تلك التي يعيشونها اليوم.
ليس الهدف الترويج للحرب وكوارثها، انما في ظل الواقع الحالي والافق المسدود الذي يشتد سواداً، لا يبدو ان الحلول تتسابق لتصل الى لبنان، كانت المشكلة اولاً تحجيم حزب الله ونفوذه ولكن النتيجة اتت معاكسة بحيث ضُرب جميع اللبنانيين ولم يتقلص نفوذ ولا حجم الحزب. واتت الذريعة الاخرى عن الاصلاحات والتغييرات الواجب اتباعها وان الضغوط الاقتصادية والمالية وحصار اللبنانيين في هذا المجال من شأنه ان يعطي النتيجة المرجوة، فتبيّن ان النتيجة الوحيدة هي زيادة المعاناة من دون المسؤولين والزعماء، فسقطت الذريعة سقوطاً مدوياً. ولعب الخارج ورقة الانتخابات النيابية لتشكل المخرج المشرف للجميع، فإذا بها قد انتجت ما اشتكى منه الداخل والخارج معاً، ولم يؤدّ هذا السيناريو الى النتيجة المرجوة. فهل سقطت كل الحلول ولم يعد امامنا سوى الحرب؟ في الواقع، كل المعطيات والمعلومات تجمع على استبعاد هذا الامر، لانه سيشكل صداعاً أليماً للخارج وبالاخص للقارة العجوز، التي ستجد نفسها امام تدفق لاجئين من اوكرانيا من جهة، ومن لبنان من جهة ثانية والاخطر ان من يأتي من لبنان لن يكون فقط لبنانياً بل سينضم اليه حتماً فلسطينيون وسوريون، وهو امر لا قدرة لاوروبا على احتماله، كما ان الخطر عندها سيكون ايضاً على اسرائيل التي ستعطي الغرب سبباً اكبر للصداع. وقد يكون اللبنانيون، على الرغم من كل الويلات والمصائب التي تخلفها الحرب، اكثر المتكيفين مع هذا الواقع، فهم اختبروا الحرب بكل مفاعيلها وتخطوها، فيما لم يعرفوا بعد كيفية تخطي هذه الازمات التي تعصف بهم منذ اكثرمن 3 سنوات.
هل المطلوب اندلاع حرب في لبنان ليكون الخلاص؟ ربما، وقد يكون البديل حصول امر اكثر منطقي وهو توحيد صفوف اللبنانيين لرفض كل الناس والمشاريع والخطط التي تهدّد وجودهم ووطنهم، ولرفض كل ما من شأنه ان يقسمهم على مواضيع حياتية اساسية كلقمة العيش والحق في الحصول على حياة كريمة ووقف الذل على ابواب المصارف والمستشفيات والمحال الكبرى، وتفعيل خطة واضحة وفعالة لاعادة وضع لبنان عل سكة التعافي. وما على الرسول الا البلاغ!.