في الحكومتين الاخيرتين خلال ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، كان محور الحديث خلال التشكيل يدور عن الثلث المعطل، وقد تأخرت حكومة تصريف الاعمال الحالية فترة طويلة من الوقت على خلفية هذه النقطة تحديداً، كي لا يكون الثلث المعطل في يد احد.
ولكن، وبعد انتهاء ولاية عون، ومع الدعوة التي وجهها رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة الى الوزراء لعقد اجتماع لمجلس الوزراء لاقرار بعض البنود، عاد الكلام عن الثلث المعطل ليسرق الاضواء والاهتمام.
ومع امتناع وامتعاض "التيار الوطني الحر" المشاركة في الجلسة، ومع صدور مواقف لعدد من الاطراف المسيحيّة تضمنت توجيه انتقاد ميقاتي على خلفية دعوته (منها على سبيل المثال حزب القوات اللبنانية والبطريرك الماروني)، بدأت الحسابات السّياسية تفرض نفسها.
بداية، وقبل ساعات قليلة على انعقاد الجلسة الاثنين الفائت، كان الحديث عن ان ميقاتي قد رضخ بالفعل عند تشكيل الحكومة لمطالب ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالحصول على الثلث المعطل، واكبر دليل على ذلك هو مقاطعة 9 وزراء للجلسة وفق بيان صادر عنهم. ولم يتسنّ لاصحاب هذه النظرية الغرق كثيراً في حساباتهم، اذ سرعان ما عطّلتها مشاركة وزير الصناعة المستقيل جورج بوشكيان في الجلسة ليتبيّن ان عون وباسيل لا يملكان بالفعل الثلث المعطل.
ميقاتي تدارك الامر، وكي لا يضع نفسه في مواجهة محتدمة مع الاطراف المسيحيّة المعنيّة المعارضة له، دعا الى اجتماع وزاري في السراي لجميع الوزراء وبالاخص منهم المقاطعون، وذلك بهدف امتصاص النقمة، وهو تعمّد ان يظهر بعد نجاحه في عقد جلسة مجلس الوزراء بمظهر البعيد عن الانتصار، لانه يعلم انّ ايّ تبجّح او محاولة ايصال رسالة بأنّه كسر المعارضة المسيحيّة له في هذا التوجه، سيضعه في حلبة الصراع الكبير مع المسيحيين اولاً، كما انه سيكون قد زاد من احتضان المسيحيين لباسيل بشكل غير مباشر، وهو (اي ميقاتي) لا يرغب ابداً في ذلك.
ولكن، مع خروج عون وباسيل من معادلة الثلث المعطل، من يملك هذا المفتاح التعطيلي؟ لقد اثبتت المعطيات والتجارب على مدى العقد الاخير من الزمن، ان الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة امل)، هو جزء لا يتجزأ من هذا الثلث، وانه يكفيه التحالف مع طرف ثالث بغض النظر عن حجمه التمثيلي كي يتحقّق هذا الثلث، وبالتالي فيما كان الثلث مؤمّن بتحالف حزب الله والتيار الوطني الحر (ينضم وزراء امل وفق المواضيع المطروحة نظراً الى الخلافات السائدة مع التيار)، تبيّن انه يمكن الاستعاضة عن التيار بأيّ مكوّن آخر، وهذه المرة كان الوزير الارمني هو "الوزير الملك"، بعد الاتفاق طبعاً مع ميقاتي والدروز. الا انّه من المهم الاشارة الى ان بوشكيان (او غيره) لن يحمل لقب "الوزير الملك" طوال مدة الفراغ الرئاسي، لانّ غيره قادر على حمله ايضاً، وقد ينتقل اللقب من وزير الى آخر تبعاً للموضوع المطروح والوقت المحدد.
على ايّ حال، يمكن استنتاج امرين مهمين من هذه الواقعة: الاولى ان الثلث المعطل موجود وهو قادر ان يتنقل بين طرف وآخر، والثاني انّ ميقاتي اثبت انه قادر على نسج تحالفات مع الجميع بمن فيهم الثنائي الشيعي ولو ادّى ذلك الى "نقزة" مسيحيّة منه حاول ان يعوّضها بالتخفيف من وطأة الامور والايحاء بأنها لم تكن مواجهة مع الطرف المسيحي، والعمل على امتصاص النقمة، ولكنه لم ينجح سوى في الحدّ من تنامي الازمة، لانّ "النقزة" حصلت ومن المرجّح انها ستبقى حاضرة حتى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، فيما تبقى الظروف هي التي ستبتّ في مدى تفاعل الرئيس الجديد مع ميقاتي، وما اذا كان هناك من تسوية جديدة على غرار تلك التي وضعت رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على خط رئاسة الحكومة في ولاية عون والتي كان من المرجّح ان تستمر لولا حصول الخلافات والانشقاق بينهما.