على الرغم من سعي العديد من الأفرقاء إلى الحديث عن أن "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" لا يختصران التمثيل المسيحي في البلاد، إلا أنّ نتائج الإنتخابات النيابية الماضية أثبتت أنهما الكتلتان الأكبر على المستوى النيابي، وبالتالي لا يمكن البحث في الإستحقاق الرئيسي بمعزل عنهما، وهو ما يتم التعبير عنه عادة، لدى البحث فيما يحتاج إليه ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، عبر الإشارة إلى أن إنتخابه يتطلب دعم أحدهما على الأقل.
في الأشهر الماضية، كان من الواضح أن التيار والحزب لا يلتقيان على أيّ من الملفات العالقة، لكن تطور الأمور في مجموعة من الملفّات أثبت أنّ أفاق التلاقي ليست بعيدة على الإطلاق، وهو ما يمكن الحديث عنه عند التطرق إلى موقفهما من جلسة مجلس الوزراء التي عقدت يوم الاثنين الماضي.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بغضّ الطرف عن منطلقات كل منهما، يتفق "الوطني الحر" و"القوات" على مقاربة دور كل من حكومة تصريف الأعمال والمجلس النيابي في ظلّ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، على إعتبار أنّ هذا الأمر يتعلق بالدور المسيحي في الدولة والشراكة مع باقي المكونات في البلاد، وهو ما لا يجب التقليل من أهميّته لدى البحث في الإستحقاقات المنتظرة.
وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذا ما تمّ التعبير عنه بشكل واضح، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب جبران باسيل أول من أمس، عند حديثه عن أهميّة الدور وكيفية التعامل مع ما حصل في جلسة مجلس الوزراء، بينما لا يمكن تصوّر أن "القوات" قادر على تجاوز السقف الذي كان قد ذهب إليه رئيس "الوطني الحر" في هذا المجال، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن يتركها ذلك على الواقع الشعبي المسيحي.
بالإضافة إلى ما تقدّم، تشير هذه المصادر إلى أنّ ما يجب أخذه بعين الإعتبار أيضاً هو دور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي كان قد ذهب، طوال الفترة الماضية، إلى إطلاق مجموعة من المواقف التصعيديّة، بالنسبة إلى العرقلة القائمة على مستوى إنتخاب رئيس الجمهورية المقبل، شملت الحديث عن الدور والشراكة بشكل أساسي، ما يعني أنه يتلاقى مع ما يطرح من قبل "الوطني الحر" و"القوات" بشكل أو بآخر.
منذ بداية البحث في الإستحقاق الرئاسي، قرر كل من الحزب والتيار الإنسحاب من المعركة ترشيحاً، من دون أن يعني ذلك الإبتعاد عنها على مستوى الإنتخاب، فكل منهما كان يسعى إلى أن يكون الناخب الأول في هذا الإستحقاق، إلا أنهما لم ينجحا، حتى الآن، في فرض هذا الأمر.
على هذا الصعيد، تعتبر المصادر السياسية المتابعة أنه بات من الواضح وجود مصلحة مشتركة لدى "القوات" و"الوطني الحر" في السعي إلى إنتخاب الرئيس المقبل بأسرع وقت ممكن، نظراً إلى التداعيات التي يتركها تصرف باقي الأفرقاء، على أساس أن الأمور من الممكن أن تسير بشكل طبيعي في ظل غياب رئيس الجمهورية، وهو ما كان قد عبر عنه باسيل بشكل واضح، عبر الإشارة إلى ضرورة الخروج من خيار الورقة البيضاء.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع يفتح الباب أمام إمكانية الوصول إلى تفاهمات جانبية بين الفريقين المسيحيين الأكبر، ولو لم تكن بصورة مباشرة، لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، بالرغم من حالة عدم الثقة التي تسيطر على العلاقة بينهما، خصوصاً بعد المسار الذي كان قد سلكه إتفاق معراب في العام 2016، الذي قاد إلى إنتخاب الرئيس السابق ميشال عون، وتؤكد أن مثل هذا الإتفاق سيكون له تداعياته الحاسمة في مسار المعركة.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ الأرضيّة، في المرحلة الراهنة، مناسبة لطرح مبادرة بين الجانبين، مشيرة إلى أن بكركي قد تكون الأقدر على لعب هذا الدور، في حال أرادت ذلك، على عكس ما كان عليه الواقع في الفترة الماضية، لكنها تطرح الكثير من التساؤلات فيما لو كانت ستبادر إلى هكذا خطوة.