من حيث المبدأ، باتت فكرة الحوار الداخلي حول الإستحقاق الرئاسي شبه مقبولة من غالبية الأفرقاء المحليين، بعد التطورات التي كانت قد شهدتها البلاد في الفترة الماضية، خصوصاً في ظل حالة عدم الإهتمام الخارجي بالملف اللبناني، حيث المواقف البارزة تقتصر على دعوة القيادات اللبنانية إلى إنجاز الإستحقاق بأسرع وقت ممكن.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم عودة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في الجلسة المخصصة لإنتخاب رئيس الجمهورية أول من أمس، إلى طرح فكرة الذهاب إلى حوار داخل المجلس النيابي، بعد أن كانت دعوته الماضية قد اصطدمت برفض كل من "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، بالتزامن مع حرص بعض القوى المسيحية على الطلب من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لعب دور ما على هذا الصعيد.
في الأسباب الموجبة، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى إختلاف جوهري بين الفكرتين، فدعوة رئيس المجلس النيابي، التي تنتظر رأي رؤساء الكتل النيابية منها، تقوم على أساس إنضاج تفاهم وطني حول الإستحقاق الرئاسي، يقود إلى الإنتهاء من حالة الشغور القائمة بعد نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وهو سعى إلى سحب الذرائع من القوى التي كانت رافضة، من خلال طرح أن يكون الحوار داخل الهيئة العامة بعد الجلسات.
أما بالنسبة إلى الدعوة المطلوبة من بكركي، تلفت المصادر نفسها إلى أنها تنطلق من شعور بعض القوى المسيحية أن مسار الإستحقاق الحالي قد يقود إلى إضعاف دورها في إختيار الشخصية التي من المفترض أن تشغل الموقع المسيحي الأول في الجمهورية، بالإضافة إلى قلقها من التعامل مع حالة الشغور وكأنها أمر طبيعي، وهو ما تمثل في إنعقاد جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي، والمطروح هو بحث في إمكانية التفاهم بين القوى المسيحية نفسها في هذا الإستحقاق.
في الأيام المقبلة، من المفترض أن يتضح ما إذا كان البطريرك الماروني في وارد الذهاب إلى توجيه مثل هذه الدعوة، كما من المفترض أن تظهر آراء رؤساء الكتل النيابية من الطرح الذي كان قد تقدم به رئيس المجلس النيابي، وبالتالي معرفة ما إذا كانت القوى السياسية، لا سيما المسيحية منها، باتت جاهزة إلى إنطلاق البحث الجدّي في الأسماء التي من الممكن أن تكون مقبولة، بناء على حوار صريح، سواء كان فيما بينها أو على مستوى أشمل، بالرغم من أن الإشتباك الذي حصل، يوم أمس، بين رئيس التيار جبران باسيل ورئيس "القوات" سمير جعجع لا يبشّر بالخير.
على هذا الصعيد، تشير مصادر نيابية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنه منذ اللحظة الأولى كان الجميع يدرك أن لا إمكانية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي من دون حوار أو تفاهم بين مختلف الكتل النيابية، بسبب تركيبة المجلس الحالية التي تحول دون قدرة أي فريق على تأمين فوز مرشحه وحيداً، الأمر الذي تأكد أكثر مع بروز الإنقاسمات داخل كل فريق، لكن الجميع كان لا يزال متصلباً في مواقفه المبدئية.
من وجهة نظر هذه المصادر، حتى اليوم لا يمكن الحديث عن تبدل كبير في المواقف، قد يساعد في الوصول إلى تسوية ما، خصوصاً أن الجميع يدرك أن العوامل الخارجية مؤثرة جداً في الإستحقاق الرئاسي، وبالتالي لا يمكن تصور القدرة على إنتخاب الرئيس المقبل إنطلاقاً من تفاهم داخلي فقط، في حين أن القسم الأكبر من القوى المحلية لا يزال يراهن على تطورات من الممكن أن تحصل على المستوى الإقليمي.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن نتائج أي حوار داخلي غير مضمونة، لكنها في المقابل تعتبر أن هذا الأمر من الممكن أن يساهم في أمرين أساسيين: الأول هو جعل اللبنانيين جاهزين لتقبل فكرة التفاوض حول الإستحقاق الرئاسي، أي الخروج من حالة التصلب التي لا تزال قائمة، أما الثاني فهو تبريد الأجواء الداخلية في المرحلة الراهنة، خصوصاً بعد التوترات التي كانت قد شهدتها البلاد في الأيام الماضية، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي من الممكن أن تترتب على ذلك.