للمرة الثانية على التوالي، يتلاقى كل من "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" على رفضهما الدعوة إلى الحوار، التي ذهب إلى توجيهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالرغم من أن غالبية الكتل النيابية تدرك ألا إمكانية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، في ظل تركيبة المجلس الحالي، من دون الذهاب إلى حوار يقود إلى تسوية ما، الأمر الذي يدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول مصلحتهما المشتركة في ذلك، بالرغم من الإختلاف الواضح في رؤيتهما إلى هذا الإستحقاق.
من حيث المبدأ، لدى بعض الأوساط السياسية قناعة بأن التيار والحزب غير جاهزين، حتى الآن، للذهاب إلى البحث الجدّي في هويّة الرئيس المقبل، نظراً إلى غياب المعطيات الخارجية الواضحة، الأمر الذي يتم التعبير عنه عبر طرح مواقف عمومية من قبل الأفرقاء المؤثرين في الملف اللبناني، بالإضافة إلى عدم تفضيلهما الأسماء المطروحة على بساط البحث، خصوصاً رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، من دون تجاهل معطيات داخلية أخرى تدفعهما إلى عدم الإستعجال أيضاً.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن القوى المسيحية، كل على طريقته، يحمل الأفرقاء الآخرين، لا سيما "الثنائي الشيعي" مسؤولية العرقلة القائمة، لكن في المقابل ترفض الذهاب إلى أي خطوات من الممكن أن تساعد في إنجاز الإستحقاق الرئاسي، الأمر الذي تعتبر أنه يعود إلى رفضها الإسمين الأساسيين المطروحين، خوفاً من أن يقود أي حوار داخلي إلى تقدم حظوظ أي منهما، وتلفت إلى أن فرنجية مرفوض من الكتلتين الأكبر بشكل حاسم، وهو ما يعبران عنه بشكل دائم، بينما بالنسبة إلى عون هناك إختلاف في كيفية التعبير عن ذلك، فـ"الوطني الحر" لم يعد يتردد في الإعلان عن ذلك صراحة، بينما "القوات"، الذي كان من أول المبادرين إلى الحديث عن عدم ممانعته تسوية من هذا النوع، يلمح إلى عدم تفضيله تكرار وصول عسكري إلى رئاسة الجمهورية.
من حيث المبدأ، ترى المصادر نفسها أن التيار يسعى إلى الإستفادة من الخلاف مع "حزب الله"، الذي تسببت به جلسة مجلس الوزراء، من أجل القضاء على حظوظ فرنجية، إلى جانب سعيه إلى تعزيز دور بكركي في الإستحقاق الرئاسي، الذي من المفترض أن يكون عبر رعايتها حوار مع القوى المسيحية، الأمر الذي يقود إلى الهدف نفسه، بسبب موقف "القوات" من ترشيح رئيس تيار "المردة"، بينما تبقى أسهم قائد الجيش حاضرة، في ظل وجود أجواء دولية وإقليمية داعمة له.
من وجهة نظر هذه المصادر، هناك رهان على إمكانية أن يأتي الرفض لترشيح عون من قبل أفرقاء آخرين، أبرزهم "حزب الله"، بالرغم من أن الحزب أكد، في أكثر من مناسبة، أنه لا يضع فيتو على أي إسم، وبالتالي الأمور غير مقفلة في هذا المجال، لكن الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك يحتاج إلى ظروف لم تنضج بعد، وبالتالي من المبكر البحث الجدي في هذا الأمر، لكن في المقابل التيار و"القوات" قد يفضلان حوار بكركي، الذي يعزز من دور كل منهما في إختيار الرئيس المقبل، من أجل الإنتهاء من المعادلات القائمة في الوقت الراهن على مستوى الأسماء، وبالتالي فتح الأبواب أمام أسماء أخرى تكون أفضل بالنسبة لهما.
في المحصلة، في ظل غياب المعطيات الحاسمة، بالرغم من الترجيحات التي تصب لصالح عون، يبدو أن القوى المسيحية لا تريد الذهاب إلى حوار داخلي وفق المعطيات الراهنة، أي في ظل إنحصار المعركة بين رئيس تيار "المردة" وقائد الجيش، لا سيما أنهما مقتنعان بأن لا إنتخابات من دون موافقتهما، أي أنهما يشكلان معبراً إلزامياً لوصول أي شخصية إلى قصر بعبدا، وهنا يراهن "القوات" على عودة سعودية ناشطة إلى الملف اللبناني، بينما يستند التيار إلى العلاقة مع "حزب الله"، خصوصاً لناحية عدم الذهاب إلى أي تسوية من دونه.