اعتبر المؤرخ في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة جورج تاون، غراهام كورنويل، أن "مباريات كأس العالم الحالي هي تذكير بأن الاستعمار ليس ذكرى بعيدة"، مشيرا لـ"لقاء المغرب مع فرنسا بعد أن صدم كلا من البرتغال وإسبانيا، دولتان مستعمرتان سابقتان للمغرب، واستعمرت فرنسا المغرب ما بين 1912 -1956 و”هي ثلاثية استعمارية مثالية، وبالتأكيد من أكبر التقلبات السردية إقناعا في تاريخ كأس العالم".
ولفت في مقال نشره بصحيفة "واشنطن بوست"، الى أن "المغرب هو أول بلد عربي وإفريقي يصل إلى مرحلة نصف النهائي في كأس العالم، ولكنها الدولة السابعة في دول حوض البحر المتوسط تصل إلى هذه المرحلة، وهو سباق يشبه قصة سندريلا، وتم الاحتفاء به في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، ويتحدث عن موقع المغرب الاستثنائي من مخطط فين (مجموعات مشتركة ممثلة بدوائر متداخلة) للهويات الإقليمية، فقد انتهى الاستعمار بشكل عملي في المغرب عام 1956، إلا أن حياة أفراد المنتخب المغربي تعكس ميراث التجربة الاستعمارية".
وأشار الى أن "هي عن العائلات التي تركت أوطانها بحثا عن لقمة العيش في مواطن المستعمرين السابقين، وعن نجوم كرة قدم لم يلعبوا أبدا في نواد مغربية، ولا يتحدثون جيدا اللغة العربية، نطقا أو كتابة، لكن روابطهم مع وطنهم لم تنكسر أبدا، ولفهم سبب الإنجاز وكيف تحقق تحديدا، يعني أن علينا فهم الجيوسياسة المعقدة للمغرب. وفي مرحلة خروج المغلوب، أو دور الـ16، تفوق المغرب على إسبانيا بركلات الترجيح".
وأوضح أنه "فقد تدفقت موجات من المغاربة إلى أوروبا للمشاركة في الحربين العالميتين والمساعدة في أوروبا القرن العشرين، ولم يمض على وجود الفرنسيين سوى عامين عندما بدأوا بتجنيد المغاربة للقتال في الجبهة الغربية أثناء الحرب العالمية الأولى، وفي السنوات اللاحقة، تبع الجنود مئات الآلاف من المغاربة للعمل في المصانع والمزارع وملء الفجوة في سوق العمل التي خلفتها الحرب. وجلبوا معهم ثقافتهم ونسجوها مع نسيج الثقافة والمجتمع الفرنسي، وبات “الكسكس” الوجبة المغربية المعروفة، جزءا أساسيا من الطعام الفرنسي".
ورأى أن "لولا المغاربة ومواطني شمال إفريقيا، لما عرفنا فرنسا المعاصرة كما هي الآن، وتركت أربعون عاما رابطة ثقافية وسياسية واقتصادية في المغرب أيضا، فـ”الباغيت والكرواسون” متوفر في كل مكان، واللغة الفرنسية هي لغة النخبة، وتعشق البيروقراطية المغربية متاهة السجلات. وهاجر ملايين المغاربة إلى فرنسا، وحاولت أجيال منهم الاندماج في المجتمع الفرنسي مع الحفاظ على الروابط مع القرى والبلدات والمدن التي جاء منهم آباؤهم وأجدادهم. وتبنوا فرق كرة قدم جديدة مع مواصلة تشجيع فريق الحمر “الوداد” والأخضر “الرجاء” أو الأصفر “ماس”.
واعتبر الكاتب أن "نجاح الكرة الفرنسية، هو تذكير بالتعقيدات التي رافقت عمليات محو آثار الاستعمار، تماما كما فعل “فونتين” الذي سجل الرقم القياسي في الأهداف أثناء مباريات كأس العالم عام 1958 وكان مولودا في مراكش أثناء الحكم الفرنسي للمغرب. وأهم نجوم كرة القدم في فرنسا خلال العقدين الماضيين، هم كيليان إمبابي، زين الدين زيدان وكريم بن زيمة، وجميعهم جاءوا من أصول في شمال إفريقيا. وعليه، تظهر التعقيدات والتناقضات للاستعمار على الجانبين. وبعد كل مباركة، ينفجر تويتر وإنستغرام بصور المنتخب المغربي وهم يحتفلون مع آبائهم وأمهاتهم". ولعل إرث الاستعمار هو جعل الهوية هذه أكثر سلاسة، كما أن الحماسة لهذا الفريق المغربي زادت قوة رغم التناقض الذي تم تبنيه وتقبله، ويبدو أن القصص العابرة للهويات/ الجنسيات لهؤلاء اللاعبين وعائلاتهم، جعلتهم وبشكل جوهري، مغاربة.