مع دخول البلاد عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة على المستوى السياسي، تطرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كانت بداية العام المقبل قد تشهد تطوراً جديداً، خصوصاً على صعيد الإستحقاق الرئاسي، حيث هناك من يراهن على بروز حراك دولي كبير من الممكن أن يقود إلى تسوية، بينما يذهب البعض إلى التأكيد بأن إنتخاب الرئيس المقبل سيكون في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2023.
حتى الآن، ليس هناك من معطيات توحي بأن هذا السيناريو يتقدم على سواه من السيناريوهات، التي يتم التداول بها في بعض الأوساط، لا سيما أنه يرتبط بالعديد من الإستحقاقات الإقليمية والدولية الأخرى، التي قد تكون، بالنسبة إلى اللاعبين المؤثرين، أكثر أهمية من الملف اللبناني، وبالتالي أي تبدل في المعطيات، إيجابياً أم سلبياً، سيكون له تداعياته الكبيرة.
في ظل هذه الأجواء، لدى أوساط سياسية متابعة نظرة متشائمة، تقوم على أساس الوقائع الداخلية بشكل أساسي، مفادها أنّ البلاد، في الفترة الفاصلة عن الوصول إلى التسوية، ستكون مقبلة على مجموعة من التطورات السلبية، وتعطي دليلاً على ذلك العودة إلى الإشتباك الحكومي، في ظلّ إنعدام لغة الحوار بين القوى السياسية، في حين تشهد المؤشرات الماليّة والإقتصاديّة المزيد من التدهور، قد يكون سعر صرف الدولار في السوق السوداء المعبر الأوضح عنها.
وتشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أنّ الإشتباك الحكومي كان من المفترض أن يهدأ بعض الشيء، خصوصاً بعد اللقاء الوزاري التشاوري الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي، الذي جاء نتيجة اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، لكن المفاجأة كانت بأن الأمور عادت إلى المربع الأول.
هذه العودة، بحسب الأوساط نفسها، جاءت بعد أن تبين أن "التيار الوطني الحر" متمسك بموقفه من هذه المسألة، لا سيما بعد أن برز شبه إجماع في الموقف المسيحي منها، بينما رئيس حكومة تصريف الأعمال قرر، على ما يبدو، الذهاب إلى الهجوم، متمسكاً بصلاحياته المتعلقة بدعوة مجلس الوزراء إلى الإجتماع ووضع جدول أعمال الجلسات، بالتزامن مع رفضه صيغة المراسيم الجوالة التي كانت معتمدة في حكومة تمام سلام.
من حيث المبدأ، يمكن الحديث عن أن ما يحصل على المستوى الحكومي هو تتمة للسجال الذي كان قائماً في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس السابق ميشال عون، أي تلك التي تلت الإنتخابات النيابية، وهو ما قد يستمر حتى التوافق على إنتخاب رئيس جديد، الأمر الذي قد يطول بسبب الإنقسامات والتوازنات القائمة على مستوى البلاد، في حين أن التداعيات قد تكون أخطر مما قد يتصوره البعض.
في هذا الإطار، لدى مصادر نيابية مطلعة قناعة بأن هذا الواقع مؤشر على أن البلاد قد تكون مقبلة على المزيد من الإنهيارات الداخلية، خصوصاً أنها تشدّد على أنّ ما يحصل ليس أمراً طبيعياً، نظراً إلى أن الجميع يدرك أنّ الجزء الأكبر من لعبة الدولار سياسي بالدرجة الأولى، وبالتالي لا تستبعد أن يكون الإرتفاع المستمر في سعر الصرف مقصوداً، خصوصاً أنه يترافق مع عدم تدخل أي من الجهات القادرة.
بالتزامن، تبدي هذه المصادر، عبر "النشرة"، مخاوفها من أن يكون لذلك تداعيات أمنيّة ذات طابع إجتماعي، حتى ولو كانت محدودة، حيث تعتبر أنّ هذا الأمر قد يكون مطلوباً من قبل البعض، بهدف إحداث تغييرات في المعادلة السّياسية، خصوصاً أن الأمور مقفلة على المسارين الداخلي والخارجي، الأمر الذي يحتاج إلى خرق لا يبدو أنّ المشاورات والإتّصالات العادية قادرة على إحداثه، إلا إذا حصلت تطورات كبرى، على المستويين الإقليمي والدولي، فتحت الباب أمام الذهاب إلى تسوية على الصعيد اللبناني.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن هناك ترابطاً بين السيناريوهات المختلفة، نظراً إلى أن تأخر التسوية الخارجية، أو على الأقل الحراك الذي يمهد الطريق إلى ذلك، سيقود على الأرجح إلى تدهور في الأوضاع الداخلية، خصوصاً أن الجميع يدرك أن البلاد لا تحتمل تكراراً لما حصل في مرحلة الشغور الماضية، أي الدخول في فراغ طويل، الأمر الذي سيعيد الجميع إلى الجلوس على طاولة حوار واحدة، لكن وفقاً لشروط مختلفة.