على الرغم من أن الكثيرين وجدوا فيما صدر عن قمة عمان، بالنسبة إلى الملف اللبناني، ما يخيب الآمال التي كانت موجودة عند البعض، إلا أن ذلك لا يلغي وجود ما يمكن البناء عليه، لا سيما اللقاء بين وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والسعودي فيصل بن فرحان، لكن الأكيد أن الوصول إلى أي تسوية لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت، وربما إلى ما هو أبعد من ذلك.
في هذا الإطار، برز على هامش القمة موقف فرنسي بالغ الأهمية، يتمثل في دعوة وزيرة الخارجية كاترين كولونا القادة اللبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم، والعمل على إجراء انتخابات سريعة لرئيس جديد للبلاد، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاج اليها لبنان بشدة، الأمر الذي رأت فيه مصادر نيابية، عبر "النشرة"، تأكيد أن ليس هناك ما هو محسوم حتى الساعة، لكن في المقابل مؤشر على وجود مساعي جدية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى أن الموقف الفرنسي، الذي من الممكن الحديث عن أنه يأتي في إطار العموميات، لا يختلف عن الموقف الأميركي الذي يتم التعبير عنه في العديد من المناسبات، لكن أهميته تكمن بأنه يأتي على وقع تحول في الموقف السعودي، يتمثل بدخول الرياض المباشر على خط الملف اللبناني، وهو ما يمكن الإستدلال عليه من خلال المعلومات التي تسربت عن لقاء السفير وليد بخاري بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، حيث تم التشديد على أهمية انتخاب رئيس جامع بين اللبنانيين، ويمكنه أن يحيي العلاقات بين لبنان والعالم العربي والغربي.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن هذا الموقف السعودي يصب في إتجاه رفض إنتخاب رئيس ينتمي إلى فريق محدد، تحديداً قوى الثامن من آذار، ترى أن ما تقدم لا ينفصل عن إعلان وزير الخارجية الإيرانية أن نظيره السعودي أكد له، على هامش مؤتمر عمان أيضاً، إستعداد بلاده لإستمرار الحوار مع طهران، في حين كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دعا إلى ضرورة التحدث مع ايران عن الأزمات في المنطقة، بما في ذلك العراق ولبنان وسوريا، حيث تتمتع طهران بنفوذ كبير.
من حيث المبدأ، المواقف المذكورة في الأعلى تصب في إتجاه الحديث عن أن المرحلة المقبلة قد تشهد مجموعة من التطورات الخارجية، لا سيما على مستوى فتح قنوات التواصل بين مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين، الأمر الذي من الطبيعي أن يشمل الملف اللبناني الذي يحتاج إلى تسوية سريعة، في ظل التدهور الحاصل على المستويات الإقتصادية والإجتماعية، بالتزامن مع مخاوف من أن يقود ذلك إلى ما هو أخطر.
عند هذه النقطة، تشير المصادر النيابية نفسها إلى المعادلة القائمة على المستوين الإقليمي والدولي، أي تقدم أوراق قائد الجيش العماد جوزاف عون على باقي الشخصيات المقترحة، لكن مع تشديدها على أن هذا الأمر غير محسوم، وتؤكد أنه في ظلّ حالة الإستعصاء الداخلي من الطبيعي أن يكون الإسم هو الخيار الأول على بساط البحث، خصوصاً أن التوجه إلى من يشغل قيادة الجيش ليس أمراً غريباً في الأزمات، على إعتبار أنه الخيار الأسهل.
من وجهة نظر هذه المصادر، المشكلة الأساسية تكمن في كيفية إقناع بعض الأفرقاء اللبنانيين بهذا التوجه، خصوصاً أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل كان قد جدد رفضه له، لا بل ذهب إلى وصف عون بـ"قائد الإنقلاب"، في حين هو سبق له أن أعلن أن "حزب الله" لن يذهب إلى خيار رئاسي بعيد عن توجهات التيار أو بشكل منفصل عنه، بينما وصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية يتطلب تعديلاً دستورياً، وبالتالي لا يمكن أن يمر من دون موافقة غالبية الكتل النيابية.
في المحصلة، تلفت المصادر نفسها إلى نقطة أخرى، تتمثل بالربط الدائم، في المواقف الخارجية الأساسية، بين إنتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة المقبلة، حيث تعتبر أن هذا الأمر يفتح الباب أمام إمكانية الذهاب إلى أكثر من معادلة، ربطاً بالتطورات التي قد تشهدها الساحة المحلية في الفترة الفاصلة.