باستغراب شديد يُجيب أحد فعاليات طرابلس على سؤال حول إطلاق النار على رأس عبد الله عيسى بعد خلاف حول أفضلية مرور، مبدياً تعجبه من "سهولة" القتل، وهو مؤشر خطير جداً اوصل عاصمة الشمال وغيرها من المناطق في لبنان الى الحضيض، في إشارة واضحة إلى اضمحلال الدولة ودورها. ما حصل فيها ليس الأول ولن يكون الأخير بالتأكيد.
الخطير هنا هو أن أصوات الرصاص في طرابلس أصبحت أمراً طبيعياً، يتردد صداها كل يوم، وكأنها جزءاً من يوميات الطرابلسيين، فحوادث السرقة والنشل لم تعد تقتصر على ضربة عصا أو تلاسن، بل يشكل السلاح المنتشر بشكل جنوني في المدينة عنواناً أساسياً لكل هذه الجرائم، واستخدامه لم يعد محصوراً او متعلقاً بقيم أخلاقية وإنسانية، فالقتل بات سهلاً.
بحسب مصادر طرابلسية، فإن الفقر من جهة وتدهور احوال الدولة من جهة ثانية يشكلان البيئة المثالية لولادة عصابات الشوارع، وانتشار شريعة الغاب، وهذا بالتحديد ما يحصل في عاصمة الشمال، خاصة مع انتشار المسدسات رخيصة الثمن، التي عادة ما تكون صناعة تركية، لجأ إليها تجار السلاح بعد انهيار العملة اللبنانية، بسبب ثمنها الذي يقل عن ألف دولار أميركي، بينما غالبية المسدسات الاوروبيّة تفوق بأسعارها الألف وتصل الى 3 آلاف دولار أميركي.
تُشير المصادر الى أن الطلب المتزايد على السلاح في طرابلس يأتي لسببين، الاول هو حاجة المواطنين الى الشعور بالامان المفقود منذ بداية الأزمة، وقبل ذلك حتى، ما يدفعهم الى شراء قطعة سلاح لوضعها في المنزل حيث يتم تخزين كل المحتويات الثمينة بعد فقدان الثقة بالمصارف، والثاني هو ارتفاع أعداد "العصابات" وحاجتها الى السلاح لتقوم بجرائمها، وهذا ما خلق ساحة غنية بالسلاح، وفقيرة بالنظام والقانون.
لا شكّ ان انكسار ميزان العدالة بسبب الوضع القضائي السيء يشكل عامل دفع بالنسبة للمجرمين الذين باتوا على علم بأن الأجهزة غير قادرة على القيام بعملها كما يجب بظل غياب القضاء، واكتظاظ السجون، وتُشير المصادر الطرابلسية المتابعة الى أن غياب ثقافة العقاب تجعل ارتكاب الجريمة أسهل، إذ لا يمكن التعويل على "الإنسانية" عندما يتعلق الأمر بمجتمعات تضم مئات آلاف من المواطنين، ولا بد من "حاكم" أو "مانع" يكبح تصرفاتهم الجرمية، وعادة ما تكون الدولة وعقابها هي المانع، وهو ما ليس متوفراً بالوقت الراهن.
لم تنجح الخطط الأمنية في طرابلس، لأن الامن لا يُفرض بالقوة فقط، ولا يُفرض لأيام معدودات ضمن الشهر، فهو حالة تراكمية تبدأ من تحسين الظروف الإجتماعية، ولا تنتهي بالتواجد الأمني والمتابعات اليومية، لذلك فإن صرخة الطرابلسيين سترتفع مع مرور الزمن، لأن الوضع يتجه نحو الأسوأ.
لا تُريد المصادر القول أن مدينة طرابلس متروكة لمصيرها، فما تعاني منه نراه في مناطق أخرى في لبنان، لكنها تحذّر من أن استعمال السلاح في كل أنواع الجرائم يدقّ ناقوس الخطر وبشكل عاجل، فما جرى في الشارع، بوضح النهار، لسبب سخيف هو "أفضلية مرور" سيصبح امراً عادياً بحال لم تبدأ المعالجات على صعيد الدولة كلها.