أوضح الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعليقًا على سبب عدم دعوته لبنان إلى قمة "بغداد- 2" الّتي عُقدت هذا الأسبوع في منطقة البحر الميت في الأردن، "أنّنا لم ندعه لأنّه على أجندة مختلفة، والأولويّة أن تكون له سلطة تنفيذيّة مستقرّة. وسنعمل في الأسابيع المقبلة على إطار مشابه مع لبنان".
وعمّا إذا كان ذلك يعني مؤتمرًا دوليًّا، لفت في حديث صحافي، على متن طائرة الرّئاسة الفرنسيّة الّتي نقلته من عمان إلى باريس، إلى أنّ "الحقيقة أنّ لبنان في قلب المؤتمرات. نحن نعمل على عدد من المشاريع الحيويّة، من بينها مشاريع بين لبنان والأردن، وقد تحدّثنا مع الملك الأردني حول الكهرباء، وهذا جزء ممّا نريد عمله في الأسابيع المقبلة".
وحول ما إذا كان عازمًا زيارة لبنان والقوّات الفرنسيّة لحفظ السلام فيه، أشار ماكرون إلى أنّ "حاملة الطّائرات شارل ديغول كانت قريبة، لقد اغتنمت الفرصة، ولكنّي سأزور قوّة حفظ السّلام في لبنان. إلّا أنّ وضع اللّاقرار في لبنان، يجعلني أرى أنّ ليس هو الوضع الأفضل لزيارته، ودور فرنسا ليس استبدال دور القوى السّياسيّة فيه". وعن تكراره لهم باستمرار الكلام نفسه، ركّز على "أنّني أسعى إلى دفعهم".
وعمّا إذا كان سينظّم مؤتمرًا حول لبنان، أكّد "أنّني أودّ إيجاد حلول للمشكلات الملموسة. ما يهمّني هم اللّبنانيّون واللّبنانيّات، لا الّذين يعيشون على حسابهم. السؤال هو: هل لدى الطّبقة الّتي تعيش على حساب لبنان الشّجاعة لأن تغيّر؟ ثانيًا: هل للبلد القدرة على دفعها للتّحرّك؟"، مشدّدًا على أنّ "لسوء الحظّ، أرى الكثير من الشّباب يغادرون حزانى ومحبطين. أحلم بأن يتمكّنوا من القيام بالتّغيير".
وبيّن أنّ "جوابي هو إذًا أن أحاول المساعدة على قيام حلّ سياسي بديل بمشاريع ملموسة، من دون أيّ تساهل مع القوى السّياسيّة، وكذلك وضع خطة ومساعدة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الّذي يحاول رغم كلّ شيء، أن يبذل أقصى ما يمكنه وألّا يتنازل للّذين اغتنوا في السّنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويقومون بالابتزاز، وأن يكون للبنان رئيس ورئيس حكومة نزيهان".
وعمّا إذا كانت مواصفات النّزاهة تنطبق على قائد الجيش اللبناني لتولّي الرّئاسة، أعلن ماكرون "أنّني لن أخوض في مسألة الأشخاص والأسماء إذا لم تكن هناك استراتيجيّة وخطّة، هذا ليس عملي. الاستراتيجيّة هي أن يكون هناك أشخاص من النّزيهين، على استعداد للقول إنّ الطّبقة غير مهتمّة بهم وعليها أن تتوقّف عن العيش على حساب النّاس. يجب تغيير القيادة في هذا البلد".
كما ذكر أنّ "حزب الله موجود، إن كان على الصّعيد الأمني أو المستتر، ولكن أيضًا على الصّعيد الرّسمي والمنتخَب. فهُم على الأرض يستفيدون من عدم قدرة النّظام والآليّة السّياسيّة ومن جميعنا على حلّ مشكلات الناس. لذا أقول إنّ مشكلة لبنان في حلّ مشكلات النّاس، وإخراج الّذين لا يعرفون القيام بذلك، ثمّ إعادة هيكلة النّظام المالي، ووضع خطّة مع رئيس نزيه ورئيس حكومة نزيه وفريق عمل ينفّذها ويحظى بدعم الشّارع".
وتعليقًا على شُكر الرّئيس الأميركي جو بايدن له مرّتين على جهوده في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وعمّا إذا كان ذلك لجهوده مع شركة "توتال إينيرجي" أم لأنّه تحاور مع "حزب الله"، أوضح الرّئيس الفرنسي "أنّنا فعلنا ذلك بالتّحاور مع الجميع. لقد تمّ التّوصّل إلى ضمانات أمنيّة بعدم التّصعيد، وكانت واضحة، وأُعطيت أيضًا للمفاوضين الأميركيّين".
وشدّد على أنّ "للبنان مكانة غالية عندي وهو موضوع أساسي، وسنعمل بجهد من دون انقطاع في الأسابيع المقبلة، وأنا أريد أن أقول إنّه ينبغي توسيع اللّعبة، والمسألة ليست قضيّة شخص أو موضوعًا مؤسّساتيًّا".
وعمّا إذا كان أصدقاؤه السّعوديّون مهتمّون بالتّعاون معه من أجل لبنان، أجاب: "نعم، لقد أظهروا ذلك خلال الأسابيع الماضية عندما استقبلوا ميقاتي وببدئهم التّمويل، ولكن هذا غير كاف"، مؤكّدًا "أنّني سأقوم بمبادرات في الأسابيع المقبلة حول كلّ المواضيع الّتي ذكرتها، وسأبذل جهدًا كبيرًا لذلك". وأضاف "أنّني منذ البداية مقتنع بأنّه لا يمكننا إيجاد أيّ حلّ لمشكلة لبنان والعراق وسوريا، إلّا في إطار حوار لتقليص التّأثير الإقليمي الإيراني".
إلى ذلك، ركّز ماكرون على أنّ "الإيرانيّين لم يلتزموا بشكل صادق. لقد رأينا ابتداءً من 2019 و2020 أنّ رئيس الحكومة العراقيّة السّابق مصطفى الكاظمي يبدي رغبةً في التقدم بالعمل. وعلى هذا الأساس، وضعنا ابتداءً من 2020 استراتيجيّةً مع الرّئيس العراقي السّابق برهم صالح والكاظمي، تهدف إلى مساعدتهم لتعزيز سيادة العراق".
وبيّن أنّهم "قالوا لنا بشأن تعزيز هذه السّيادة: نحن بحاجة إلى دعم اقتصادي من أجل تعزيز السّيادة مع إيران على طاولة المؤتمر، ومساعدتنا لإنشاء حلول على أساس مشاريع طاقة ضخمة، تساعدنا على الانخراط في اللّعبة الإقليميّة الّتي تتيح لنا التّحاور مع إيران، ولكن ليس مع إيران وحدها".
وشرح أنّ "هذه هي الأجندة الّتي أنشأناها منذ أيلول 2020، عندما قمت بزيارة ثانية إلى العراق، ثمّ في آب 2021 عندما عقدنا مؤتمر "بغداد 1". هو عمل ثنائي طويل نساعد من خلاله العراقيّين لتحسين أمنهم، ونعزّز وجودنا في العراق عبر مشاريعنا في قطاع الطاقة والغاز". وذكّر بأنّ "في "بغداد 1" وللمرّة الأولى، جمعنا على الطّاولة الإيرانيّين والأتراك ودول الخليج والأردنيّين، فالتّحاور له معنى والأحاديث الجانبيّة أهمّ من الرّسميّة، لأنها تنشئ إطارًا لتحاور هذه الدّول والبحث في كيفيّة إعادة سيادة العراق وخفض التأثير الخارجي فيه".
وأكّد ماكرون "أنّنا قد حسّنا الكثير، وفي أيّ حال تجنّبنا الأسوأ، إذ مكنّا مشاريع الطّاقة وتمويل بعض مشاريع التّرابط الكهربائي مع الأردن وحافظنا على الاستقرار"، موضحًا أنّ "الصّيف الماضي شهد خطرًا كبيرًا، وأمضيت وقتًا طويلًا مع المسؤولين العراقيّين عبر الهاتف لمحاولة تجنّب اشتعال الوضع. ثمّ جاء رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السّوداني المدعوم من أغلبيّة معروفة بأنّها أقرب إلى الإيرانيّين".
كما كشف أنّه "عندما زارني الملك الأردني عبدالله الثاني في أيلول في باريس، أقنعته بضرورة عقد هذا المؤتمر لأنّه لمصلحتنا جميعًا. فالملك عبد الله جازف، وقد تبادلنا الاتّصالات الهاتفية العديدة خلال أسابيع ماضية مع رئيس السّوداني"، مشيرًا إلى أنّ "بالنّسبة لي، لو لم نجمع هذا المؤتمر، لكان الخطر أن يبتعد العراق عن الأجندة الإقليميّة. مع هذا الإطار نتيح إيجاد بدائل". واعتبر أنّ "قبول السّوداني لهذا المؤتمر هو انتصار لهذه الأجندة، وأن يُعقد هذا المؤتمر بشكل جيّد هو انتصار، كما أنّ بداية وضع مشاريع على السّكّة هو انتصار".