جرت العادة، عند أهل الأرض، أن يكتب الأولاد رسالة إلى "بابا نويل"، يحدّدون فيها مطلبهم من هدايا العيد. في حين أن أهل السماء يتعاطون مع هذا الحدث بلغة أخرى، تحاكي الأرض بالسماء، وتبعث برسالة سلام تفوق الماديّات، وتنشد مع الملائكة: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ"(لوقا 2: 14).
ساتعاطى مع الحدث من منطلق سماويّ، عاكسًا القصة اليوم، لاستلام الرسالة من صاحب العيد، الذي يقطر قلبه حزنًا على شعبنا الغارق في بحر الأحزان.
يسوع يحمل لنا في رسالته فعلَ رجاءٍ وإيمانٍ بالغد، مهما اشتدّت الضيقات والأحزان والآلام، يقول لنا إنّ اليأس والإحباط ليسا من شيم المؤمنين، والإستسلام للضغوطات والصعاب من حيل الشيطان.
رسالته تحمل لنا السلام والفرح والإيمان. تذكروا ما قاله الملاك للرعاة: "لا تخافوا، فها أنا أبشّركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب. إنه ولدَ لكم اليوم في مدينة داود مخلِّصٌ هو المسيح الربّ. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمَّطًا مُضجعًا في مذود"(لوقا ٢: ١٠-١٢).
يدعونا طفل المغارة، في رسالته، إلى عدم الخوف، لا يستطيع الإيمان والخوف أن يوجدا معاً. ثقوا بأن الله يعمل بصورة دائمة من وراء الستار في حياتكم، حتّى عندما لا يوجد دليل ملموس يساند هذه الحقيقة. الخوف، ببساطة، هو عدم الإيمان أو ضعف الإيمان. يجب أن تدركوا أن إيمانكم، حتى لو لم يتخطَّ حبّة الخردل، تستطيعون به نقل الجبال.
مهما قست عليكم الأيام في هذا الشرق المعذّب، الذي استقبلني ضيفًا غريبًا، لا تخشينَّ قلوبكم الخوف، ولا تفزعوا ولا تهلعوا ولا ترتعبوا ولا تنهاروا ولا ترتعش اجسادكم وتُحبط عزائمكم، لأنّي ما تأنّست لكي تهلكوا، إنّما لكي أفتح لكم طريق السماء. فقط خافوا الله، لأن "رأس الحكمة مخافة الله"(سيراخ 1: 16). ومخافة الله تعني مهابته، وعبادته بكلّ خشوع ووقار، وطاعته والعمل بوصاياه، والخوف من الوقوف أمامه في يوم الدينونة الرهيب، الذي فيه يجازي الربّ كلّ واحد بحسب أعماله. والإنسان الذي لا يخاف الله، هو إنسان يمكنه أن يرتكب أية خطيئة دون خشية ولا خجل!.
إعملوا بمخافة الله فتحيوا. تذكروا في هذه الليلة أني وُلدت ولم يكن لي موضع في المنزل، أتيت بلا مأوى لكي أسكن في نفوس بني البشر، ويكون بيتي هو قلب الإنسان، وغطائي محبّته، أريد أن أكون واحدًا فيه. أتيت من مريم الحمامة الهادئة، التي زارها الرعاة، وعبّرت عن فرحتها بطريقتها، فكانت تحفظ هذه الأحداث في خزانة قلبها، وصارت تفكّر فيها. هذا هو الصمت المقدّس، صمت اللسان، بينما القلب يلهج في تسبيح أعمال الله نهارًا وليلًا، فكونوا مريميّين.
أتيت طالبًا ودّكم ولم آتِ فارغ اليدين، حملت معي البشرى السارة. جئتكم لأولد في قلوبكم، وجدتها صخور متحجّرة. جئتكم بالمحبّة بالسلام فوجدتكم أشرارا، تعيشون الكره والضغائن والحروب والحسد والغيرة وعبادة المال. جئتكم آخذًا صورتكم، فشوهتم وجهي بأعمالكم وأفعالكم القبيحة. جئتكم بتواضع مولودًا في مزودٍ حقير، وأنتم تسكنون القصور والبيوت ولا تعرفون الدفء لقلّة إيمانكم. عرفتني البهائم وشعبي ما عرفني. لكنّ الفرصة متاحةٌ لكم اليوم، لكي تعرفونني بأحد هؤلاء الصغار إخوتي، فلا تضلّوا الطريق مجددًا.
أتيت إليكم وفي قلبي غصّة على فلسطين والعراق وسوريا ولبنان. أتيتُ من أجل المريض والحزين والموجوع واليتيم والمشرّد والمهجّر والمنبوذ والمقهور والمكسور والمعنَّف، لأنصب خيمتي وأسكن بينهم. أتيت لأجل الخاطئ والملحد والكافر والسارق والقاتل والفاسد والناهب، علّهم يتوبون. أتيتكم بروح الوداعة فلا تكونوا ذئابًا خاطفة. أتيتكم بمحبّة وغفران لئلا تغرقوا في وحل البغض والكره والحسد. أتيتكم بسلام الله فاطلبوه كي لا تجنحوا نحو السلاح والحرب والقتل والإرهاب. أتيتكم فقيرًا لتصرفوا الأموال على الفقراء. أتيتكم بالعفّة والطهارة والأخلاق، كي تمارسونها في حياتكم الزوجيّة وعملكم ومجتمعاتكم.
أتيت حاملًا لكم السلام، هديّة السماء، فالسلام من الله، علّكم تهتدون فتنشدون، بقناعة وثقة وإيمان: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ"(لوقا 2: 14).