شارف العام 2022 على نهايته، ومما لا شك فيه أنه صعب وقاس إقتصاديا، ليس فقط على لبناننا العزيز بل على اقتصادات العالم، ومن الضروري الاضاءة على أبرز سماته وتداعياته والتوقعات للأعوام المقبلة، والسؤال عما ننتظره أو نتوقعه على الصعيد المحلي.
لعل الحدث الأبرز خلال العام 2022 إقتصاديا، والذي غير معالم توقعات الإقتصاد العالمي وأدى الى تباطؤ وارتفاع كلفة الإقتراض، والذي ستستمر تداعياته الى 2023 وحتى 2024، هو بدء المصارف المركزية برفع أسعار الفائدة لأسباب عديدة، أهمها مكافحة التضخم، والذي كان بدأ في العام المنصرم، وليس فقط له علاقة بالحرب الروسية-الاوكرانية بل بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومات حول العالم، خصوصا في الولايات المتحدة والقارة العجوز المتعلقة بجائحة كورونا، التيسير النقدي، خفض الفوائد، ضخ السيولة، صرف نفقات عامة اضافيّة للجم تداعيات الجائحة والاقفال على الإقتصادات، الأمر الذي أدى الى ارتفاع الكتلة النقديّة في السوق والى تضخم. وجاءت الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة لترفع أسعار النفط والمواد الأوليّة والأساسيّة والمعادن، ولتزيد من التضخّم، مما اضطر المصارف المركزية عالميًّا ان ترفع الفوائد بشكل قاس بدءا بالفدرالي الأميركي والمركزي البريطاني والمركزي الأوروبي، مما أدى الى شحّ السيولة في الأسواق الماليّة العالميّة وصعوبة الولوج اليها، والى ارتفاع كلفة الإستدانة ان كان على الأسواق الماليّة العالميّة أو بالإقتصادات الداخليّة، التي رفعت الفوائد على سبيل المثال الى 75 نقطة أساس، لنرى أن الولايات المتحدة رُفعت 3 مرات بعد فترة من الفوائد المنخفضة جدا بسبب كورونا. كل هذا وكانت الأولوية عند المصارف المركزيّة ، ولمّا تزل، هي لجم التضخّم حتى لو على حساب النموّ أي أنهم كانوا على علم مسبقا كيف ستنسحب هذه الإجراءات على النمو وتؤدّي الى الانكماش.
أما توقعات 2023 بتراجع التضخّم نسبة للعام الجاري لن تصل للأهداف التي وضعتها المصارف المركزية ان في الولايات المتحدة او بريطانيا او المركزي الأوروبي، ولن تخفّض الفوائد الا مع 2024 لأن الانكماش الطفيف للاقتصاد هو أحد نتائج ارتفاع الفوائد.
هذا التحليل بحسب الخبير المالي والمصرفي د. نسيب غبريل الذي أكّد عبر "النشرة" أن هذا هو أهم حدث إقتصادي في 2022، لأن تداعياته ستستمر الى نهاية العام المقبل، لأنه اذا انخفضت نسب التضخم المستهدفة من قبل المصارف المركزية عندها سيبدأ تراجع هذه الفوائد تدريجيا لكن لغاية 2024، ونحن في جو فوائد مرتفعة حتى لو توقفت المصارف المركزيّة في النصف الثاني من 2023 من رفعها.
على الصعيد المحلي يرى الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة أن الوضع اللبناني غير مريح بسبب سوء الإدارة، فالملف الداخلي لا يدار بشكل صحيح. والسياسيون يعيشون في كوكب آخر ويتّكلون على الدول الخارجيّة لتخلصنا، والاخيرة لا وقت لديها لنا، نحن "نتدلل" ونخرب البلد. برأيه المفروض ألا يقبل اللبنانيون هذا الواقع لكن لا يمكنهم فعل شيء!.
عام 2022 كانت بحسب د. حبيقة بلا شك سنة سيّئة سلبيّة: شغور رئاسي وحكومة مستقيلة وصراعات داخل مجلس الوزراء. "البلد فلتان" وأضاف "اخشى فقط من حصول تدهور أمني. وندخل على طريقة هاييتي، وآمل ان تبقى القوى الامنية قوية ومتماسكة وتحفظ الامن. ولا أرى أيّ أفق انقاذ قريب في ظل اهمال من السياسيين لوضع البلد وهذه مشكلة كبيرة.
بدوره توقع رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د. باتريك مارديني عبر "النشرة" المزيد من الانهيار لسعر صرف الليرة، لأنّ الموازنة التي أقرت في 2022 اعطت زيادة رواتب غير مموّلة، والطريقة الوحيدة لتأمين الأموال المال هو المزيد من طباعة الليرة، مما يعني المزيد من انهيار سعر صرفها، لأنها حين تصل الى ايدي الناس سيستعملونها لطلب الدولار، وبرأيه هناك عامل آخر يغذي انهيار سعر الصرف العائد للازمة المصرفية لأن البنوك أعطت دولارات المودعين للقطاع العام بشقّيه، مصرف لبنان والحكومة، والقطاع العام أهدر هذه الأموال والان يطبع الليرات للبنوك طالبًا منهم ردّ أموال المودعين بالعملة الوطنيّة، مما يعني المزيد من ضخ الليرة في الأسواق بسبب سياسة "تليير" الودائع او تليير السحوبات، وهذا الضخ يؤدّي الى مزيد من انهيار الليرة.