لم تمنع عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، التي قادت إلى وقف جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، من إستكمال النقاشات حول هذا الملف، الأمر الذي يترجم عبر سلسلة من اللقاءات التي يتم الإعلان عنها تباعاً، وكان رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل "نجمها" الأول، في مقابل إنتظار غالبية الأفرقاء المسار الخارجي، الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد ألمح إلى أنه من المفترض أن ينطلق مع بداية العام الجديد.
طوال الأسابيع الماضية، كان كل من رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون العنوانين الأبرز للمعركة الرئاسية، حيث أن الأول مدعوم من قوى الثامن من آذار، بينما الثاني، بالإضافة إلى تقدّمه على المستوى الخارجي، يحظى بدعم مجموعة من القوى التي تدور في فلك قوى الرابع عشر من آذار، لكن على ما يبدو المرحلة المقبلة قد تكون لإعادة ترتيب التوازنات على المستوى الداخلي.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه في ظلّ الرفض المعلن من جانب "التيار الوطني الحر"، إلى جانب الرفض الآخر من قبل حزب "القوات اللبنانية"، تصبح حظوظ فرنجيّة الرئاسيّة صعبة جداً، لكن هذا لا يعني، من وجهة نظرها، تقدّم فرص عون، حيث تلفت إلى أن مروحة واسعة من القوى ترفض هذا الخيار، حتى ولو لم تعلن عن ذلك بشكل واضح.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى أن رئيس "التيار الوطني الحر"، الذي يسعى إلى قيادة حراك داخلي، كان أبرز المعلنين عن هذا الرفض، لكنها تدعو إلى عدم التقليل من أهمية الموقف الذي عبر عنه نائب أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، عندما تحدث، من ضمن المواصفات، عن رئيس مجرّب بالسياسة، الأمر الذي لا ينطبق على قائد الجيش.
في قراءة هذه المصادر، يمكن الحديث، في الوقت الراهن، عن مرحلة تصفية أو إستبعاد لأسماء على المستوى الداخلي، بإنتظار ما قد تحمله الفترة المقبلة من تطورات على المستوى الخارجي، خصوصاً أن الجميع يدرك أن ليس هناك من فريق قادر على فرض مرشحه على الآخرين، وترى المشهد يتجه إلى أن يقود، في ظل المواقف الحالية، إلى إستبعاد المرشحين الأبرزين معاً، أي فرنجية وعون، لفتح الكوّة أمام مرشحين آخرين يمكن التفاهم حول أحدهم.
من وجهة نظر المصادر السياسية المطلعة، هذا المشهد لا يمكن خرقه إلا بحصول أمور غير متوقعة، على الأقل حتى الآن، منها حصول تبدل في مواقف أحد الأفرقاء الداخليين بإتجاه أحد المرشحين، كمثل تبني "الوطني الحر" أو "القوات" ترشيح فرنجية أو موافقة "حزب الله" على إنتخاب عون، من دون تجاهل إمكانيّة أن تقود المشاورات الخارجية، في حال تقدمها على نحو كبير، إلى تفاهم على أحد الإسمين.
وترى المصادر نفسها أن الأمر، على عكس ما يروج له، لا يقتصر على قائد الجيش، بل من الممكن أن تقود التسوية إلى إنتخاب رئيس تيار "المردة"، حيث تشير إلى أن الحديث عن الذهاب إلى التوافق على سلّة متكاملة يعزز أوراق فرنجية، طالما أن الفريق الداعم له بات ينظر إلى عون على أساس أنه مرشح الفريق الآخر، وبالتالي السير به يتطلب تبدلاً في التوازنات التي يفرضها إختيار رئيس الحكومة المقبلة، الأمر الذي يصطدم بالعديد من العقبات التي لا تحتاج إلى الكثير من الشرح.
في المحصلة، مواقف القوى المحلية الحالية تعزز خيار إستبعاد عون وفرنجية معاً من السباق الرئاسي، لكن الأمر رهن بالنتائج التي من الممكن أن تصل إليها المشاورات القائمة على أكثر من صعيد، بالإضافة إلى إنطلاق البحث الجدّي في الأسماء، على إعتبار أنّ العمليّة لا تزال تنحصر بالمواصفات، التي يطرحها كل فريق منذ ما قبل دخول البلاد في مرحلة الشغور.