لم يكن تفصيلاً أن يعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في ظل الحديث عن حراك خارجي من المفترض أن ينطلق مع بداية العام المقبل، أن لا مبرر لإعادة الدعوة إلى الحوار، بعد أن فشلت محاولته مرتين بسبب عدم التجاوب معها، خصوصاً أن هذا الإعلان يأتي مع محاولة بعض الأفرقاء اللبنانيين، لا سيما رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل إستعادة زمام المبادرة، عبر سلسلة من اللقاءات التي عقدها في الأيام الماضية.
من حيث المبدأ، فهم ما يحمله إعلان بري الجديد يتطلب العودة إلى أصل دعوته إلى الحوار، حيث كانت المعلومات أن الهدف ليس الوصول إلى إنتخاب رئيس جديد بشكل مباشر، بل تمهيد الطريق نحو تسوية تقود إلى هذا الإنتخاب، وبالتالي عندما يعلن أن لا مبرر لتكرار هذه الدعوة فإن هذا يعتبر كمؤشر على أن الظروف غير مؤاتية، ما يؤكد صعوبة الوصول إلى تسوية في وقت قريب.
في هذا السياق، تشير مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أن المشكلة الأساس تكمن برفض الأفرقاء المسيحيين، خصوصاً حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، الحوار، سواء كان ذلك الذي يسعى إليه رئيس المجلس النيابي أو ذلك الذي كان من المفترض أن يبادر له البطريرك الماروني الكارينال مار بشارة بطرس الراعي، لا بل الذهاب إلى سجالات جديدة في كل مرة تظهر إمكانيّة لذلك، نظراً إلى أن كل فريق يسعى للوصول إلى تسوية على مرشح أقرب له.
من وجهة نظر هذه المصادر، أي حوار داخلي كان من الممكن أن يفتح الباب أمام إستعادة الأفرقاء المحليين زمام المبادرة في الملف الرئاسي، بدل ترك الأمور، كما هو الواقع اليوم، إلى ما قد يأتي من الخارج من طروحات، على إعتبار أن الجهات الخارجية والإقليمية ما كانت لترفض أيّ تفاهم يتوصل إليه اللبنانيون، خصوصاً أنها منشغلة في ملفات تعتبرها أكثر أهمية، وهو ما يدفع معظمها إلى تكرار "معزوفة" أن على القادة اللبنانيين المبادرة إلى طرح الحلول.
على الرغم من ذلك، تعتبر المصادر أن الفرصة لا تزال متاحة لإستعادة الأفرقاء اللبنانيين زمام المبادرة، عبر تهيئة الظروف المناسبة لإطلاق حوار جديد يقود إلى إنتاج حلول منطقية، لكنها تشير إلى أن هذا الأمر يتطلب أن يقتنع البعض أن المطلوب الذهاب إلى تقديم تنازلات، بدل الإصرار على المعادلات المرفوضة مسبقاً، وبالتالي ألاّ ينطلق كل فريق من الرغبة في الذهاب إلى الحوار لفرض وجهة نظره أو مرشحه.
على المستوى الخارجي، لدى بعض الأوساط السياسية قناعة بأن ما عبر عنه رئيس المجلس النيابي يصب في الإتجاه نفسه القائم على المستوى الداخلي، أي عدم القدرة على الرهان على تطورات سريعة في الأشهر الأولى من العام المقبل، كما كان البعض يروج في الأيام الماضية، نظراً إلى أنّ الظروف غير مهيّئة لذلك حتى الآن، بالرغم من سعي الجانب الفرنسي إلى ذلك.
وتشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أن المشكلة لا تزال عند النقطة نفسها، أي أن كل فريق خارجي لديه مصالحه التي حصل عليها أو يسعى إلى ذلك، فالولايات المتحدة أقصى ما كانت تتمناه هو الوصول إلى إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بالتزامن مع الحفاظ على الإستقرار الأمني، بينما فرنسا لديها مصالحها التي على ما يبدو تراهن على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لتأمينها، وهو ما يبرر رسالة "الغزل" التي وجهها له الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتزامن مع إنتقاده كل الطبقة السياسية.
بالنسبة إلى الأوساط نفسها، المدخل، الذي من الممكن أن يقود إلى الحل، يكمن بالحوار السعودي الإيراني، بعد أن ظهرت بعض المؤشرات الإيجابيّة في مواقف الجانبين مؤخراً، حيث تشير إلى أنّ أيّ تفاهم بينهما من الممكن أن يفتح الطريق أمام تسوية لبنانيّة، لكن حتى الساعة لا يزال هذا المسار طويلا، نظراً إلى أن ليس من السهل توقع الوصول إلى تفاهمات في وقت قريب.
في المحصّلة، الذهاب إلى التسوية الرئاسيّة يتطلّب تبدّل الظروف القائمة، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي أو على المستويين معاً، لكسر حالة الجمود القائمة، الأمر الذي يرى البعض أنه قد يكون من بوابة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، لا سيما أن التدهور الحاصل على أكثر من صعيد لن يكون من السهل تجاوزه أو حصر تداعياته.