تخوف الكثيرون في لبنان مما سيكون عليه الوضع بعد عودة بنيامين نتانياهو الى مركز القرار في تل ابيب، وهو المعروف بميله الى اعتماد الخضّات العسكريّة عند مواجهته ايّ صعوبة في الداخل، لرفع المعنويات وشد العصب وتجاوز المطبات التي قد يتعرض لها من حين الى آخر. لكن مصادر متابعة للوضع في المنطقة عموماً وللتطورات اللبنانية-الاسرائيلية بشكل خاص، جزمت بأن الامور لن تتغير على الحدود الجنوبية للبنان من الناحية العسكرية، وكل ما يحكى عن امكان نشوب حرب جديدة على هذه الجبهة هو من نسج الخيال فقط، وذلك لاعتبارات عدّة، لعل اولها ان الوضع الحرج للبنان يفرض متابعة خارجية دقيقة، والمظلة الامنية والعسكرية التي نصبت فوقه منذ اكثر من 10 سنوات، لا تزال قائمة على الرغم من تغيّر الكثير من المعطيات والرؤساء والسياسات لدول كبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية.
اضافة الى ذلك، تشير المصادر الى ان عواصم القرار في العالم، وبخاصة واشنطن، ليست في وارد التفريط بكل الجهد الذي قامت به للوصول الى تفاهم على الحدود البحريّة الجنوبيّة، كي يسهل لنتانياهو او سواه ان يطيح بها للبقاء على قيد الحياة سياسياً، مهما كلّف الامر، وبالتالي لن يحصل على ايّ ضوء اخضر دولي لفتح جبهة ولو من دون الدخول في حرب بالمعنى الشامل للكلمة.
وفي ظلّ استمرار تداعيات الحرب الروسية-الاوكرانية، لا يزال لبنان ينتظر دوره في سلم الاولويات الدولية، وهذا ما يفسر عدم الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد، ولن يكون الغرب والدول العربية والاقليمية متفرغة للتعاطي مع اندلاع اشتباك عسكري على الحدود اللبنانية، مع كل ما يعنيه ذلك من جهود سياسية ودبلوماسية ونتائج كارثيّة على الصعيد الاقتصادي والمالي والديموغرافي في ظلّ اتّساع رقعة "ورم النازحين السوريين" الذي سيضاف اليها حتماً انفجار تدفّقهم مع لبنانيين الى القارّة الاوروبيّة وهي الاقرب الى لبنان، فمن الذي سيتحمل عبء هذا النزوح الذي لن يستأذن احداً بفعل ضرورة البقاء على قيد الحياة؟.
وتذهب المصادر اكثر من ذلك، للقول ان نتانياهو يدرك كل هذه المعطيات، وهو على عكس ما يروّج له، الاكثر حرصاً على الحفاظ على ما تحقق من اتفاقات بين اسرائيل والعرب من جهة، وعلى التفاهم الحدودي البحري مع لبنان، نظراً لما يرتبه من نتائج ايجابيّة على اسرائيل واقتصادها، وعلى توقعات اوروبا منه على صعيد الطاقة، وهو امر لا يمكن المساس به او اللعب عليه لان تداعياته خطيرة.
كل ذلك يؤدّي الى خلاصة مفادها انّ الحرب بعيدة عن الاجواء اللبنانيّة، ولا احد في وارد جذبها اليه لا من اللبنانيين ولا من الاسرائيليين، لان نتائجها ستكون مأساويّة على الداخل في الجّهتين، ناهيك عن ان لبنان سيكون عندها في وضع مغاير سيجعل حزب الله اقوى من قبل، لانه عند اعتماد لغة السلاح والحرب اثبتت الاحداث ان الحزب سيكون مدعوماً من غالبية اللبنانيين الذين يتعرضون للقصف والضرب والقتل من قبل الاسرائيليين، ولن يكون الخيار سياسياً بل عاطفياً وحياتياً. وقد تكون المرة الاولى التي ينتج فيها عن الوضع اللبناني السيء، امر ايجابي وعليه يجب البناء على ذلك للتركيز على الامور الاقتصادية والحياتية والمعيشية، مع العلم انّه وفق المنظومة الحاليّة لا يمكن الاعتماد على احد للسير في هذا المنحى ولو انّه يعود بالفائدة على الجميع. ووفق المصادر فإنّ الاستقرار الامني والعسكري قد يكون الثابت الوحيد وسط كل المتغيّرات التي يشهدها لبنان.