منذ بداية العام الحالي، كان من المتوقع أن يكون عام بروز المزيد من التعقيدات على مستوى الأزمة اللبنانية، نظراً إلى أن البلاد، التي كانت تعاني من أزمة حكوميّة بسبب مقاطعة وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" جلسة مجلس الوزراء، كانت على موعد مع إستحقاقين أساسيين: الأول هو الإنتخابات النيابية في 15 أيار الماضي، أما الثاني فهو نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول الماضي.
وفي حين كان الجميع يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانية تطيير الإستحقاق النيابي، حتى الأسبوع الأخير الذي كان يفصل عن الموعد المحدد، حمل الشهر الأول من العام تعقيدا إضافيا تمثل في إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عزوفه عن المشاركة في الإنتخابات النيابية، الأمر الذي لم يكن تفصيلاً عادياً نظراً إلى تداعياته المستمرة حتى اليوم، خصوصاً بالنسبة إلى الواقع على الساحة السنية.
في هذا الإطار، من الضروري التوقّف عند ظاهرة أساسيّة طبعت العام الحالي، هي الخلافات بين الحلفاء، التي بدأت من تلك التي طغت على علاقة كل من حزب "القوّات اللبنانية" وتيار "المستقبل"، الأمر الذي كانت له تداعياته على التحالفات الإنتخابيّة في الدوائر المشتركة، من دون تجاهل تلك التي كانت بين "التيار الوطني الحر" وقوى الثامن من آذار، نظراً إلى أنها لا تتوقف على تلك التي تفجّرت، في الفترة الماضيّة، بسبب الخلاف حول مقاربة الإستحقاق الرئاسي، بالإضافة إلى كيفيّة إدارة البلاد في مرحلة الشغور الرئاسي.
بالعودة إلى الإستحقاق النيابي، أفرزت نتائج الإنتخابات، التي كانت غالبيّة التوقعات تصب بإتّجاه فوز تحالف قوى الثامن من آذار و"التّيار الوطني الحر" بالأكثريّة النيابيّة، توازنات على مستوى البرلمان تؤكّد المنحى التعقيدي، على إعتبار أن ليس هناك من فريق يملك الأكثريّة، بينما البارز كان دخول القوى التغييريّة إلى الحلبة بكتلة من 13 نائباً، لم تتأخر حتى برزت الإنقسامات فيما بين أعضائها، الأمر الذي عطّل من الفعالية التي كان يراهن البعض عليها.
تداعيات هذا الواقع المعقّد الأبرز كانت على الإستحقاق الرئاسي، في ظلّ عجز المجلس النيابي عن إنتخاب رئيس جديد حتى الآن، الأمر الذي كاد أن يقود إلى أزمة أخطر مع نهاية ولاية عون، بسبب العجز عن التفاهم على تشكيل حكومة جديدة بعد إعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بسبب الدخول في الشغور الرئاسي في ظل حكومة تصريف الأعمال، الأمر الذي كان من الممكن أن يتجّه إلى أزمة كبرى ذات منحى طائفي، بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي عقدت من دون موافقة "التيار الوطني الحر".
كل هذه التعقيدات الخطيرة، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، كان المواطن اللبناني هو من يدفع ثمنها تدهوراً في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، خصوصاً أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يسجّل، في الشهر الأخير من العام، رقماً قياسياً جديداً في كل يوم، من دون أن يملك المسؤولون القدرة على منع ذلك، أو حتى المبادرة إلى هذا الأمر، وكأن الأمر لا يعنيهم أو أن الأزمة في بلد آخر غير معنيين به، نظراً إلى أن أقصى ما كانوا يفعلونه هو الرهان على تطورات ما قد تأتي من الخارج.
على الرغم من هذه الصورة السوداوية، كانت البارقة، التي علق عليها اللبنانيون آمال كبيرة، هي الوصول إلى تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بالرغم من أن المفاوضات الصعبة كادت تؤدّي إلى إشعال مواجهة عسكرية في مرحلة ما، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يقود إلى تحقيق نتائج إيجابيّة في ظلّ الواقع القائم على المستوى السياسي.
إنطلاقاً من ذلك، تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول الواقع الذي سيكون قائماً في العام 2023، نظراً إلى أن البلاد ستكون مفتوحة على أكثر من سيناريو، لكن بشكل عام يمكن الحديث عن سيناريوهين أساسيين:
-السيناريو الأول: أن تنجح المشاورات والإتصالات، سواء كانت داخلية أم خارجية، في الوصول إلى تسوية، تقود إلى إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بعد ذلك، الأمر الذي يفتح الباب أمام مرحلة حلول، خصوصاً إذا ما ترافق هذا الأمر مع المعالجات المالية والإقتصادية المطلوبة.
-السيناريو الثاني: أن تستمر التعقيدات القائمة في العام المقبل، الأمر الذي من المحتم أنه سيقود إلى المزيد من الإنهيارات الإقتصاديّة والإجتماعيّة، بما يشكله ذلك من خطر على الإستقرار الأمني في البلاد.
بين هذين السيناريوهن، لا يمكن إغفال أن عوامل التدهور كانت قد بدأت بالإزدياد على نحو خطير، في الأيام الماضية من العام الحالي، الأمر الذي يدفع البعض للسؤال حول ما إذا كان هذا الأمر مقدّمة نحو فرض تسوية أمر واقع على الأفرقاء المحليين.
في مطلق الأحوال، يبقى التأكيد أنّ المواطن اللبناني هو وحده من سيبقى يدفع ثمن كل ما يحصل، في حين أنّ القوى السياسية لم تظهر، على الأقل حتى الآن، أيّ حسّ بالمسؤولية، بالرغم من كل ما حصل، منذ 17 تشرين الأول من العام 2019 حتى اليوم، حيث لا تزال مستمرّة في معاركها العبثية لا بل تهدّد بالذهاب إلى المزيد من التصعيد في حال لم تلبّ مطالبها.