مخطئ من يعتقد أن السعادة تسكن في الجيب أو الحقيبة أو في دفتر التوفير المصرفي، إنّ السعادة تسكن في لحظات زيارة الابتسامة والسعادة في قلوب الفقراء والمرضى والمتروكين والمنقطعين، الذين لم يجدوا من يتشاركوا معه الابتسامة في زمن بعيد.
في زمن العيد حين يجتمع الاغنياء على موائد الكؤوس حيث الصيحات والزغاريد وصخب الموسيقى. يدفأون ويسكرون ويبذّرون اموالهم، يكون في مكان آخر من العالم فقراء على موائد الخبز اليابس والكؤوس الفارغة حيث الصمت والدموع وضجر الانزواء يرتجفون من البرد والصقيع. لان لا مال يكفيهم بشراء لهم وسيلة التدفئة.
هؤلاء المتروكون في مكان اخر، هم الذين انجبوا وربّوا وجاعوا ليطعموا اولادهم، ومرضوا ليجعلوا من اطفالهم أحياء وسهروا لينام مرضاهم. وحين كبر بعض الاولاد انكروا آباءهم وامهاتهم والذين رحموا اهلهم من هولاء اودعوهم المآوي والملاجئ حيث هناك يبدأ العد العكسي لمغادرة عالمنا المظلم الظالم، الذي جعل منهم وسيلة انجاب واوعية تُرمى عندما تفرغ من الزيت.
هل فكر بعضهم ليلة العيد وهم مع عائلاتهم يشربون ويسكرون ان هناك في المآوي أمّهات وآباء يحملون المسبحة الى طفل المغارة والعائلة المقدّسة والصلاة على نيّة اولادهم في ليلة العيد؟! فيما هم في ما هم بين جدران اربعة ونافذة صغيرة يتأملون منها الليل ولون البرق وصوت الرعد وقد تكون ليلتهم الليلة الاخيرة في حساب روزنامة العمر القصير؟!.
غفر لهم ربي فهم لا يدرون ماذا يفعلون، ألم توصينا باكرام الاب والام؟! فنحن نكرم بطوننا وملذاتها واحشاءنا النتنة، وننسى ان لنا اهلا ذابوا لينيروا ليالينا السوداء، فعلى الاقل اهدنا لنتذكرهم ليلة العيد، وتكون معهم تحتضنهم ونشرب معا كأس العيد الحقيقي، الذي فيه نقول لطفل المغارة: شكرا، فنحن مثلك في هذه الليلة مع عائلتنا، نحتفل بذكرى ميلادك فتولد الحقيقة، ولا عيد من دون الإنسان، والإنسان فيما يعمل الجميع إلى انارة الطرقات وإضاءة الأشجار ونشر زينة الميلاد لاستقبال العام الجديد بالبهجة والأفراح. نعود إلى وطننا لنلتقي بشوق وفرح أحبابنا اللبنانيين ومعهم نمضي عطلة الأعياد فتستقبلنا غصّة وتسبقنا دمعة من طريق المطار حتى نهر الموت، أطفال لا تطال رؤوسهم نوافذ السيارات، وهم "يتعمشقون" بأبوابها عند إشارة السير ويستجدون القروش البيضاء من المارة علّهم يشعرون بالعيد وفرحته وبهجته.
للوهلة الأولى تدمع عيوننا وتشفق قلوبنا على ابن الخمس سنوات وطفلة السنوات السبع وبأشواقنا العاطفية لاحتضانهم وتقديم كل ما نستطيع لهم وجعلهم يشعرون بالعيد، فلا نبخل عليهم للشعور بفرح العيد مثل الاخرين، ولكن سرعان ما تتفاجأ ان ما يجمعونه يصبّ في جيوب مستخدميهم على الجانب الآخر من الطريق، ونصاب بصدمة لأن دموعهم لم تمسحها القروش البيضاء إنما مسحتها أكمامهم السود ووضعها في جيوب المستفيد الأول وعادوا ليذرفوا دموع جديدة لقاء مبلغ جديد .
هل هذا هو الفقر أم هي مهنة الدموع؟ هل يجب أن نشفق على هؤلاء الأطفال المشرّدين الحفاة يوم العيد، للمستفيدين الكبار وهم ضحايا انجبوهم وأرضعوهم فكرة التسول عوضا عن العيش بكرامة الّـتي من المفترض أن نكون من حقوقهم الطبيعية.
ترى أين هذه الدولة ولماذا لم تجمع هؤلاء المستفيدين الذين يستغلون الأطفال للمكاسب بالملايين وزجهم في السجون وجمعهم واحتضانهم؟ الا تعلمون ان هؤلاء هم في المستقبل القريب مشروع قتلة وسارقين؟ الا يكفي هذا الوطن من العاهات ما أصابه منذ عقود؟ ايتها الدولة الغافية ليلة العيد، ان الراعي الصالح يترك قطيعة كله ليفتش عن خروف ضائع وأنت تعلمين أن هؤلاء أضاعوا عمرهم الصغير بحياة وحشية، وقد يصبحون بعد فترة من مفترسي القطيع باكمله، فان كان في هذه الدولة من راعٍ صالح فيحمل عصاه ويجوب الشوارع ليلة العيد يجمعه لانهم قنابل موقوتة في مستقبل الوطن.