اكد البطريرك الماروني مار يشارة بطرس الراعي على أن "قضية تفجير المرفأ هي قضية وطنية تطال كل مواطن ومواطنة وكل مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة القضاء، وهي لا تقتصر على حقوق أهالي الضحايا والمصابين والمتضررين بل تشمل البلد برمته الذي تضرّر ضررا جسيما في المرة الأولى: عند وقوع الانفجار وسقوط الضحايا والشهداء الذين أصبحوا أكثر من 245 وإصابة آلاف الجرحى والمعوقين والمتضررين في أرزاقهم. وفي المرة الثانية بسبب عرقلة التحقيق وتجميده منذ سنتين ونصف، وهذه العرقلة هي جريمة بحد ذاتها. ولا يجوز أن تمرّ من دون محاسبة كما لو كانت حادثة عابرة"، معتبرا أن "الامتناع عن السير بهذه القضية من شأنه تقويض العدالة والقضاء في لبنان".
وخلال قداس بمناسبة السنة الجديدة، أشار الراعي الى أن الأهالي الذين فقدوا فلذات أكبادهم ظلماً ومن دون أي سبب ما زالوا على الطرقات يطالبون بمعرفة حقيقة من قتل أبناءهم للمحاسبة والعدالة وهو حق مقدّس من حقوقهم. ومن حقّهم اللجوء إلى الأمم المتّحدة من أجل تعيين لجنة دوليّة لتقصّي الحقائق، ولمساندة التحقيق المحليّ المعرقَل".
ولفت الى "اننا نرفع الصوت معهم عالياً ونطالب السياسيين الذين يعرقلون التحقيق: إرفعوا أيديكم عن القضاء ولا تعطلوا دوره، فإِنْ فَشِلَ في الوصول الى الحقيقة في هذه القضية سقطت العدالة وسقطت معها العدلية برمتها وكرامتها وفعاليتها ودورها، ولا تتواطؤوا في تعديل القوانين وابتداع حلول تلائم مطالبكم وأخصّها تنحية المحقق العدلي قسراً ودفن التحقيق، بهدف التهرّب من المسؤوليّة والمساءلة. فارفعوا أيديكم عن القضاء، واتركوه يقوم بدوره. فكلما وجد حلاً قانونياً قضائياً، تعمدون فوراً إلى نسفه تعسفاً، بتقديم دعاوى اعتباطية وتعسفية أمام محكمة غير مكتمل عدد أعضائها، بعد أن عطّلتم سياسياً إمكانية اكتمالها برفض توقيع مرسوم التشكيلات القضائية الجزئية".
وأضاف الراعي :"يؤلمنا ويؤسفنا أنّ المسؤولين السياسيّين في لبنان يجهدون في تهديم السلام السياسي والأمني والإقتصادي والمعيشي والإجتماعي، فيما دول العالم تأتي وتعرض كلّ أنواعِ المساعدات لنهضة لبنان بدءًا من مشاريع الطاقة إلى المياه، مرورا بالمشاريع الإنشائية من طرقات ومرافئ ومطارات وصولا إلى قروض وتنظيمِ مؤتمرات خاصة بلبنان، فلا تلقى آذانا صاغية ولا تجاوبا. لا يتجاوبون مع المؤتمرات ولا مع صندوقِ النقد الدُوليّ، ولا مع بيانات الدول الشقيقة والصديقة، ولا مع توصيات الأممِ المتّحدة ولا مع دعوات قداسة البابا فرنسيس. ماذا ينتظرون لرفعِ المعاناة عن الشعب، ولتقرير إنقاذ لبنان؟".
وشدّد الراعي على أن "باب الحلّ والخروج من أزماتنا يمر عبر إنتخاب رئيسٍ جديد للجمهوريّة. فأين ما بقي من سلطات؟ وأين ما بقي من صلاحيّات للمؤسّسات؟ وزير يقاطع مجلس الوزراء يوما ويشارك فيه يوما آخر. وزير يمتنع عن تواقيعِ مراسيم تفتقر إلى التوافقِ بشأنها، ويوقّع في اليومِ التالي غير عابئ بموقفه السابقِ بغض النظرِ عن أهميّة المرسوم".
وشدد على انه "مع رغبتنا في استمرارِ عمل الدولة، نرفض تمرير مراسيم لا تنسجم مع الدستورِ ولا تأخذ بالاعتبارِ الصلاحيات اللصيقة برئيسِ الجمهوريّة، ولو كان المنصب شاغرا، كما فعل بعض الوزراء".
واعتبر انه "عبثاً تحاول المؤسّسات الدستوريّة والخبراء المحيطون بها ابتداع تفسيرات دستوريّة لتسييرِ أعمالها وتحليل صلاحيّاتها. المطلوب واحد، انتخاب رئيس للدولة، وهو رئيس نزيه، شجاع، مهابٌ ولا يَهاب، جامعُ المكوِّنات الوطنيّة، يعيد الأمور إلى نصابها، يضع جميع الأطراف تحت كنف الدولة، يعمل على إعادة النازحين السوريّين إلى بلادِهم، وعلى إيجاد حلّ للّاجئين الفلسطينيّين، ويأخذُ المبادرات على الصعيدين العربيِّ والدُوليِّ ليعيد لبنان إلى مكانته التاريخيّة، وليصوغ دورا خلاقًّا جديدا لهذا الوطنِ التاريخيّ. لكنّ إنتخاب الرئيس لا يتمّ ببدعة الإتفاق المسبق عليه - فهذا نقيض نظامنا الديمقراطيّ – بل بالإقتراع المقترن بالتشاور والحوار، يومًا بعد يوم، لا مرّة كلّ أسبوع. فيتوقّف عندئذ المجلس النيابيّ عن تلك المسرحيّة الهزليّة التي مارسها عشر مرّات".
وتمنّى الراعي أن "لا يكون هناك من يتقصّد تعطيل بتر رأس الجمهوريّة، وتعطيل المؤسّسات ليظهَر لبنان دولة فاشلة غير مؤهّلة للوجود أو للبقاء كما هي، ولا بدّ، بالتالي، من تغييرِها وبناء دولة أخرى على نسقِ الدويلات التي تتفشّى في منطقة الشرقِ الأوسط، فلا تأخذ بالاعتبار الديمقراطيّةَ والتركيبةَ التعددية"، مضيفا :"إنها لمفخرةٌ للنواب أن تُسجّل أسماؤهم في سجلّ الذين عملوا على إنقاذ لبنان من خلال انتخاب رئيسٍ مميّز. فلا تخيّبوا آمال الشعب الذي انتخبكم. وهلمّوا إلى هذا الإنجازِ العظيمِ في مطلعِ السنة الجديدة".