لافت هو الاستقرار الامني في لبنان في ظلّ كل هذه الفوضى المعيشيّة والحياتيّة والاقتصاديّة والماليّة والطبّية... ولو حصل جزء مما يحصل في لبنان في ايّ بلد آخر، لكانت الناس "اكلت بعضها". وما هو ثابت ان الارادة الدوليّة هي شبكة الامان التي تحمي لبنان من الفلتان الامني، ولا شك ان خط الدفاع الاول والاساسي هو عناصر الجيش اللبناني والاجهزة الامنيّة الذين يصارعون الازمات والضائقات كي يقوموا بمهامهم على اكمل وجه، ولولا تفانيهم وشجاعتهم لكنّا حتماً في مكان آخر لان المظلة الدولية وحدها اعجز عن تأمين الاستقرار ما لم يواكبها التنفيذ العملي والميداني الفاعل الذي تبقى له الكلمة الفصل.
ولكن، ما هو مؤكد ان التصريحات الكلامية لا تقدّم ولا تؤخّر في الاستقرار الامني، حتى ولو كانت النوايا صافية وصادقة، على غرار ما تحدّث عنه وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال القاضي بسام المولوي الذي جال على المسؤولين الزمنيين والروحيين وتحدّث بحزم عن عدم السماح بزعزعة الاستقرار الامني، حتى وصل الامر الى حدّ تحذير كل من تسوّل له نفسه اطلاق النار في ليلة رأس السنة، متوعّداً بأن من يقوم بهذا العمل سيجد نفسه في ضيافة الاجهزة الامنيّة. قد يكون مفهوماً ان يسير القاضي المولوي على خطى من سبقه في الوزارة واطلاق مواقف من شأنها طمأنة الناس عشيّة الاعياد وحتى الوافدين الى لبنان، وهي كلها امور ايجابيّة ومفهومة، ولكن "كل ما زاد بالمعنى نقص" ايّ انه بالغ بعض الشيء في التهديد والوعيد، وهو الذي عليه ان يدرك ان في لبنان بعض الامور التي لا يمكن لاحد ان يعالجها الا بالسّياسة (وهو امر مؤسف جداً، ولكنه واقعي)، والامثلة على ذلك تطالعنا في الاخبار كل يوم، وعلى شفة ولسان كل مواطن من عدم القدرة على قمع عدد من المخالفات، او جلب عدد من المطلوبين بعشرات المذكرات، او منع البؤر الامنية، وصولاً الى عدم القدرة على القاء القبض على كل من يطلق الرصاص في المناسبات والاعياد مع كل ما يسببه ذلك من خطر على المواطنين وتسببه بوفاة وجرح اناس لا ذنب لهم، وقد يكونون على بعد كيلومترات من مطلقي النار الاغبياء.
ليلة رأس السنة، اطلقت النيران بشكل عشوائي من قبل هؤلاء الاغبياء انفسهم، وعادوا الى غرفهم بشكل طبيعي وغرقوا في سبات عميق وكأنّ شيئاً لم يكن، من دون ايّ رادع او اهتمام بما وعد وتوعّد به القاضي المولوي. قد يكون السبب سياسياً او اقتصادياً او نقصاً في التجهيزات او العديد، ولكن النتيجة هي ان هناك عجز عن قمع هذه المخالفة الخطيرة على غرار غيرها من المخالفات، وهو امر سلبي جداً.
صحيح ان هذه الامور لم ولن تحجب الانجازات التي قام ويقوم بها الجيش والقوى الامنية على صعد عديدة في مكافحة الجرائم والارهاب، ولكنها تترك "حسرة" و"عتباً" من المواطنين على المسؤولين ومنهم القاضي المولوي الذي كان الاجدى به ربما الاكتفاء بتوجيه رسالة توعية ومحاولة تحفيز هؤلاء "المجرمين" لافساح المجال امام ضمائرهم وتفكيرهم لاطلاق صوتهم علهم يرتدعون، لانّ التهديد لم يعد ينفع، فقد أيقن هؤلاء ان احداً لن يتعرّض لهم، وحتى الازمة الاقتصاديّة لم تنجح في الحد من هوسهم مع غلاء كلفة الرصاص والاسلحة، ولكن يبدو ان من يتولى تمويلهم "يسخى" عليهم في هذا المجال، ويساهم بشكل مباشر او غير مباشر في اجرامهم وتهديد حياة الناس.
وعلى امل ان نصل الى اليوم الذي يخاف فيه الناس، كل الناس، من استخدام السلاح وتشكيل الخطر المحدق على حياة المواطنين والمقيمين، نقول: اعان الله الجيش والقوى الامنيّة، والحمد الله على السلامة لكل من لم تطله الرصاصات الطائشة.