تفتح حالة "الإستعصاء" القائمة على مستوى الإستحقاق الرئاسي الباب أمام طرح مجموعة واسعة من الأسئلة، خصوصاً أنها في ظل ظروف صعبة جداً على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، بينما لا يبدو أن أياً من الأفرقاء الأساسيين في وارد تفهم هذا الواقع، بدليل إستمرار حالة المكابرة في التعامل معه، التي تترجم بالرهان على عامل الوقت من أجل تحقيق الرهانات الموضوعة.
البداية المنطقية في مقاربة هذا الإستحقاق من المفترض أن تكون من النتائج التي أفرزتها الإنتخابات النيابية الماضية، التي أكدت أن التوازنات في المجلس الحالي لا تسمح لأي فريق بتسجيل إنتصار كامل على الآخرين، على عكس ما ينطلق منه جميع الأفرقاء، لناحية إعتبار كل منهم أنه المنتصر، وبالتالي من الممكن أن ينجح في تحقيق هدفه.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الجميع لا يزال عند المربع الأول من المعركة، بغض النظر عما يقدمه من طروحات خصوصاً لناحية الدعوة إلى الحوار، فقوى الثامن من آذار لا تزال تتمسك بالمرشح المحسوب عليها بشكل كامل، أي رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، بينما القوى التي كانت تنتمي إلى قوى الرابع عشر من آذار لم تخرج من ترشيح رئيس حركة "الإستقلال" النائب ميشال معوض، بالرغم من أنها بدأت تفتح الباب أمام إحتمال الذهاب إلى مرشحين آخرين، لكن من باب السعي إلى "حشر" الفريق الآخر لا الوصول إلى حل.
بين هذين الفريقين، تلفت المصادر نفسها، يبرز "التيار الوطني الحر"، الذي أعلن، منذ لحظة ظهور نتائج الإنتخابات النيابية، أنه ليس ضمن أي حوار، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي، الأمر الذي يسمح له بالذهاب إلى مروحة واسعة من الخيارات، إلا أنه في المقابل لا يزال يمانع ما هو مطروح على بساط البحث، على قاعدة أنه يملك القدرة على منع وصول أي منه الاسماء إلى سدة رئاسة الجمهورية، مستفيداً من الخلافات الكبيرة بين الأفرقاء الآخرين.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما ينطبق على القوى المحلية ينطبق أيضاً على القوى الخارجية، فكل منها يعتقد أن الفرصة متاحة أمامه من أجل تحقيق ما كان يطمح إليه في الفترة الماضية، على قاعدة أن الأوضاع الحالية لا تسمح للأفرقاء الداخليين بالإستمرار في تشددهم، الأمر الذي قد لا يكون في محله، نظراً إلى أن الفريق الأساسي المستهدف ضمن هذه المعادلة، أي "حزب الله"، أثبت قدرته على التكيف مع مختلف الظروف.
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر السياسية المتابعة أنه يصبح من المنطقي السؤال عما إذا كانت غالبية الجهات، المحلية أو الخارجية، في وارد الإقتناع بأن المطلوب الذهاب إلى حلول من نوع آخر، وتذكر بالمعادلة التي كانت حاضرة في العديد من المناسبات الماضية، أي لا غالب ولا مغلوب، أما أنها ستستمر في مواقفها الحالية، الأمر الذي لن يقود إلى أي معالجة؟.
من وجهة نظر المصادر نفسها، المعطيات الراهنة تقود إلى أن الحل لن يكون إلا بحال سلم أحد الأفرقاء، الداخليين أو الخارجيين، بخسارته الجولة الحالية من المواجهة، الأمر الذي من غير المتوقع أن يحصل في المدى المنظور، نظراً إلى أن الرهانات لا تزال مستمرة على تحقيق ما هو أفضل من الواقع الحالي، على إعتبار أن كل فريق يخوض المعركة ضمن معادلة "عض الأصابع"، وبالتالي هو ينتظر أن يسمع صراخ الفريق الآخر، بينما كل التحركات القائمة تأتي من باب رمي مسؤولية التعطيل على الآخرين.
في المحصلة، تعود هذه المصادر، في مقاربة الإستحقاق، إلى توازنات المجلس النيابي، لتؤكد أن الحل لا يمكن أن يأتي من خارجها، أي بعد إقتناع كل فريق أنه لا يملك القدرة على تحقيق ما يمكن تسميته بـ"الإنتصار الكامل"، الأمر الذي يفتح الباب أمام مجموعة واسعة من الخيارات التي تقود إلى الحل أو التسوية.