تجاوزت وكالة "الأونروا" الكثير من الإستهداف ويمكن وصف العام 2022 بأنه "الأخطر" في تاريخ عملها منذ سنوات طويلة، حيث تركزت الضغوط الدولية السياسية والمالية على عنوان واحد "نزع شرعيتها" بأي طريقة، وصولا إلى إنهائها وتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.
وزاد من خطورة الاستهداف، تداعيات الحرب الروسية–الأوكرانية، حيث تحول الاهتمام الدولي لإيلاء النازحين، بينما ترنحت "الأونروا" تحت العجز المالي بعدما كانت الآمال معقودة على المزيد من الدعم لتحسين خدماتها الاجتماعية والصحية والتربوية وليس بقاؤها على حالها، فإذ بها تتراجع لتقضي الحرب عليها وتعيد الأمور الى نقطة الصفر، مع استفحال الازمة العالمية من نقص النفط والقمح والزيت وارتفاع أسعارهم، في وقت لم يتعافَ فيه العالم من آثار جائحة "كورونا" والركود التجاري بشكل عام من جهة، وفي ظلّ طول أمد الازمة اللبنانيّة المعيشيّة والاقتصاديّة وازدياد نسبة البطالة والفقر المدقع في المخيمات من جهة أخرى.
ورغم ذلك، نجحت "الاونروا" بتجاوز القطوع، فجرى تمديد ولايتها (14 كانون الأول) حتى 30 حزيران 2026، وصوّتت 165 دولة لصالح قرار يتعلق بإستمرار عملياتها، دون إخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ 11/12/1948 الذي ينص على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات للاجئين الفلسطينيين، وست دول ضد القرار وامتنعت خمس دول عن التصويت. وقد سبق هذا التمديد، تصويت لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة) في 11 تشرين الأول دون الإخلال بالصلاحية.
وخلال العام، أثار اقتراح المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، عن أهمية قيام بعض المؤسسات الدولية تقديم خدمات نيابة عنها ضجة كبرى في الأوساط الفلسطينية الرسمية والسياسية والشعبية، وسط إجماع فصائلي وطني وإسلامي على رفضه، لأنّه يعني عمليا تفكيكها والمساس بجوهر قضية اللاجئين وشطب عنوانها السياسي وتحويلها إلى انساني-اغاثي، تحت ذريعة العجز المالي المتراكم، قبل أن يتراجع عنه وسط مطالبة بتأمين التمويل لديمومة عملها واقتراح قديم–جديد بأن يكون دعمها ضمن موازنة الأمم المتحدة السنوية.
وفي 23 حزيران، عقد ممثلو الدول المانحة لمساعدات "الأونروا" اجتماعا لبحث سبل سد العجز المالي التي تعاني منه والبالغ نحو 100 مليون دولار اميركي لتغطية نفقات خدماتها للاجئين للفترة المتبقية من عام 2022، وقد سبقه مؤشرات ايجابية بتوفير جزء من الدعم، وأبرزها من سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، التي أكدت خلال إفتتاح مدرسة في الميّة وميّة، بأنّ "الأونروا" هي شريان حياة للفلسطينيين المحتاجين سواء كان ذلك عبر توفير التعليم والرعاية الصحية أو المساعدة الطارئة للمتضررين من النزاع"، في رسالة واضحة إلى الموقف الاميركي بمواصلة دعمها ماديا، استمرارا لما قدمته العام 2021 من مساهمة بقيمة 338.4 مليون دولار، بعد توقف دام سنوات طوال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أوقفها ضمن سلسلة قرارات في إطار الضغط السياسي والمالي لفرض "صفقة القرن" الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، وتاليا إنهاء عمل "الأونروا" على اعتبارها الشاهد الحي على النكبة.
وفي 16 تشرين الثاني، عقد مؤتمر ثانٍ للدول المانحة في بروكسل، وقد شكل محطة أولى بإعلان 8 دول عن تقديم تبرع إجمالي بلغ 614 مليون دولار عبر اتفاقات متعددة السنوات تمتد من سنتين الى خمس سنوات، تبعها الاتحاد الاوروبي الذي أعلن في العام 2022 تقديم حزمة مالية بلغت 261 مليون يورو كتمويل متعدد السنوات، والنرويج بمبلغ قيمته 124 مليون دولار للسنوات الأربع القادمة، إضافة إلى دول أخرى، وهذا أمر يجب متابعته من قبل الاطر والمرجعيات المعنية بتأمين التمويل لموازنة للوكالة ومن أجل الوصول إلى لحظة تتمكن فيها "الأونروا" من أعداد موازنتها بحرية انسجاما مع الاحتياجات المتزايدة للاجئين بعيدا عن معزوفة التهديد بقطع التمويل.
وعُقد اجتماعان للجنة الاستشارية (في حزيران وتشرين الثاني)، أكدت على الأهمية البالغة التي تحظى بها "الأونروا" ودورها من قبل الأسرة الدولية، وهو دعم سياسي هام، لكنه لم يترافق مع دعم مالي يوفر الحماية لها. وقد أصاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عندما وصّف أسباب المشكلة بقوله: "بينما تتطلب الحرب في أوكرانيا اهتماما دولياً، يجب على المجتمع الدولي أيضا أن يعمل على معالجة الأزمات العالمية الأخرى بما في ذلك القضية الفلسطينية".
ولم تخف أوساط فلسطينية لـ"النشرة"، قلقها من تكرار مسألة ترحيل العجز المالي من عام لآخر، إذ بات هذا الامر ظاهرة مقلقة تثقل الموازنة وتؤثر على جودة الخدمات. فقد بلغ العجز المُرحّل من عام 2022 الى عام 2023 حوالي 80 مليون دولار مقارنة مع 60 مليون عام 2021 ونحو 65 مليون عام 2020، ما يجعل "الأونروا" تدخل العام الجديد بموازنة ناقصة تبقي العجز سيفا مسلطا فوق رقاب اللاجئين، رغم ان موازنة العام الماضي شهدت زيادة اسمية مقارنة بأعوام سبقت، الأمر الذي يؤكد من جديد بأن زيادة الموازنة أمر لا يساوي شيئا إن لم ينعكس ايجابا على واقع الخدمات وعلى الواقع المعيشي للاجئين الفلسطينيين.
وفي تشرين الأول، وفي خطوة لافتة، أقرت "الاونروا" أن عددا متزايدا من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باتوا يقولون للوكالة إن "أي شيء" أصبح أفضل من حياتهم اليوم"، ارتباطا بمستويات الفقر غير المسبوقة، ومعدلات البطالة المرتفعة للغاية، ودرجات اليأس المتزايدة التي تنتشر في أنحاء لبنان، الأمر الذي أثر بشدة على اللبنانيين ونازحي سوريا وفلسطين الذين يعيشون في مخيمات مكتظّة، وهم أحد أفقر الناس في البلاد عبر العقود.
واقرار الوكالة بهذا الواقع المرير، تزامن مع إطلاقها مناشدة عاجلة للجهات المانحة لدعمها بالحصول على تمويل بقيمة 13 مليون دولار لمواصلة دعمها للاجئين الفلسطينيين في لبنان، استكمالاً للنداء الخاص الذي أطلقته بداية العام (كانون الثاني) لدعمهم والذين تزداد معاناتهم وحاجاتهم يومياً حتى باتوا يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل الازمة اللبنانية.
وفي 24 تشرين الثاني، وفي موقفٍ هو الأكثر توصيفاً لمعاناتهم، أكّد المفوض لارازيني، "إن الوضع الإنسانيّ للاجئي فلسطين في لبنان شديد الخطورة"، مضيفاً "يموت الناس موتاً بطيئاً، الكثير منهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الأدوية أو المشاركة في تقاسم كلفة العلاج خصوصا للأمراض المزمنة والسرطان"... و"يعاني الناس في لبنان ومن ضمنهم لاجئو فلسطين ويدفعون ثمناً مقابل ما ليس من صنعهم، وتساءلت عما إذا وصل لبنان نقطة اللاعودة".
وفي 29 تموز، انتهت مهمة المدير العام لوكالة "الأونروا" كلاوديو كوردوني الذي غادر لبنان بعدما أنهى عمله على رأس الوكالة وفق عقد مدته خمس سنوات، وقد تولى مكانه بالانابة رئيس قسم الهندسة في الوكالة المهندس منير مني، الذي حضر من عمان–الأردن لهذه الغاية، على أن يجري تعيين مدير أصيل في وقت لاحق.
بالمقابل، لم يخلُ العام من تحركات احتجاجية فلسطينية احتجاجا على تردي الخدمات وتراجعها، الأول: عدم تغطية الاستشفاء للاجئي فلسطين الذين يحملون الجنسية اللبنانيّة، والذين يتم تغطيتهم من قبل وزارة الصحة اللبنانيّة عملاً بسياستها الصحية المطبّقة منذ العام 2016، والثاني: إيقاف تسجيل اللاجئين القادمين من سورية إلى لبنان، ضمن برنامج مساعداتها المالية الدورية اعتباراً من الاول من آب الفائت، بسبب نقص التمويل لديها، ولتتمكن من تقديم المساعدة الماليّة للفلسطينيين السوريين الذين يعيشون حالياً في لبنان.
وتدحرجت الإحتجاجات مع تعثر العام الدراسي لجهة نقص الكتب والقرطاسية والمعلمين والشواغر واكتظاظ الصفوف وعدم دفع أجرة التنقلات، ومع المخاوف المتزايدة من تفشي وباء "كوليرا" في المخيمات ارتباطاً بانتشاره في المناطق اللبنانية، ومع اعتصامين مفتوحين داخل المقر الرئيسي للأونروا في بيروت لاتحاد المعلمين ولعائلات فلسطينية في مكاتب الشؤون الاجتماعية لمطالبة إدارة "الأونروا" بإعادة فتح ملف العسر الشديد والاغاثة وفق معايير جديدة تحاكي الازمة الاقتصادية والمعيشية اللبنانية وتداعياتها السلبية على أبناء المخيمات والتي أوقفته منذ العام 2016 تحت ذريعة العجز المالي ووعدت بإجراء مسح ميداني تقوم على أساسه بزيادة عدد المستفيدين منه في العام 2023.