على وقع حالة المراوحة السياسية القائمة على أكثر من صعيد، طرحت الكثير من علامات الإستفهام حول توقيت حديث رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الأحد الماضي، عن إعادة النظر سياسياً في كل التركيبة اللبنانية وتركيبة الدولة، اذا تمكن "حزب الله" من الإتيان برئيس للجمهورية يريده، نظراً إلى أنّ هذا الحديث يأتي في لحظة بالغة الدقة بالنسبة إلى التوازنات المحلّية ذات الطابع الطائفي.
في هذا السياق، ترى مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن مقاربة هذا الطرح ينبغي أن تكون من منظار أوسع، يبدأ بضرورة التذكير بالواقع القائم على الساحة السنية، التي تفتقد الزعامة الجامعة منذ غياب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن الواجهة، وهو ما قاد، بشكل أو بآخر، إلى إعادة تكريس دور الزعامات المناطقيّة، التي كانت قد تراجعت في المرحلة التي كان فيها الحريري هو الممثل الأول.
وتلفت المصادر نفسها إلى أنّه منذ ذلك الوقت كانت تطرح، في بعض الأوساط السياسية، أسئلة حول من يمثل الطائفة السنّية في حال الدعوة إلى طاولة حوار، سواء كانت محلية أو خارجية، خصوصاً أن مثل هذا الطرح، في ظلّ التعقيد الذي تشهده الأزمة الراهنة، من الممكن أن يقود إلى ما هو أبعد من الإتفاق على بعض الإستحقاقات، كانتخاب رئيس الجمهورية أو إختيار رئيس الحكومة المقبلة وتركيبتها وبرنامج عملها.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه المصادر أنه لا يمكن إبعاد توقيت هذا الطرح عن واقع القوى المسيحيّة الأساسيّة، أيّ "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، فالأول يعاني أزمة على مستوى علاقاته مع حلفائه، السابقين أو الحاليين، فالعلاقة مع تيار "المستقبل" كانت قد تراجعت منذ تاريخ أزمة الحريري في الرياض في العام 2017، أما مع الحزب "التقدمي الإشتراكي" فهي لا تخلو، بالرغم من إشتراكهما بدعم ترشيح رئيس حركة "الإستقلال" ميشال معوض، من الكثير من الشوائب.
بالنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أنه يواجه اليوم أزمة متعلّقة بعلاقته مع "حزب الله"، في حين هو في الأصل يتمتع بعلاقات متوترة مع غالبية الأفرقاء، ما يدفع إلى طرح الإستفهام حول واقع حركته السياسية، في المستقبل، في حال الوصول إلى "الطلاق" مع الحزب، من دون تجاهل أن العلاقة بين "الوطني الحر" و"القوات" مقطوعة، بسبب غياب ما يمكن وصفه بالقواسم المشتركة بينهما.
على هذا الصعيد، ما ينبغي التوقف عنده، من وجهة نظر المصادر نفسها، هو أن "الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" يلتقيان على التلويح بالخيارات التصعيديّة المرتبطة بالنظام، حيث أن باسيل كان قد سبق جعجع إلى هذا الأمر، بعد الخلاف حول جلسة مجلس الوزراء الماضية، إنطلاقاً من موقف كل منهما من الإستحقاق الرئاسي، حيث الأول يرفض حصر البحث برئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيّة وقائد الجيش العماد جوزاف عون، بينما الثاني لا يريد الوصول إلى معادلة إنتخاب رئيس محسوب على قوى الثامن من آذار، بالرغم من أنّهما يدركان أن الظروف الخارجيّة غير مساعدة.
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أن النظر إلى هذه الطروحات ينبغي أن يكون من بوابة الإستحقاق الرئاسي، وفي ظلّ غياب التوافق حولها تصبح من باب المزايدة في الشارع المسيحي، على إعتبار أنها من الممكن أن تلقى حماسة لدى البعض، لكن هوية من سينجح في إستثمار ذلك غير واضحة، فهل يكون جعجع، الذي سينطلق من باب التصويب على تجربة العلاقة بين "الوطني الحر" و"حزب الله"، أم باسيل الذي يستطيع أن يرفع هذه الورقة لتحذير الحزب من توجّهات الشارع المسيحي في حال عدم الأخذ بوجهة نظره؟.