على وقع الإشتباك المتصاعد حول الإستحقاق الرئاسي، الذي بات يأخذ منحى طائفياً بسبب إرتباطه بالعديد من الملفات الأخرى، لم يكن أمراً عادياً أن يحرص أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، أول من أمس، بالرد على ما كان قد أشار إليه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عندما تحدث عن مخطط لإيجاد فراغ في المواقع المارونية في الدولة، حيث أكد أن "لا نية لدى أحد بذلك، لأن الفراغ إذا استمر سيلحق بمواقع أخرى لدى بقية الطوائف".
ما ينبغي التوقف عنده هو أن هذا الرد العلني من جانب السيد نصرالله، جاء بعد زيارة وفد الحزب الى بكركي قبل أيام، والتي رُسمت العديد من السيناريوهات حولها، وبالتزامن مع إشتداد الخلاف مع حليفه الأساسي على الساحة المسيحية، أي "التيار الوطني الحر"، وصولاً إلى بدء الحديث عن "الطلاق" بينهما، بينما بات من المعروف حجم التقارب الحالي بين التيار والبطريركية المارونية.
من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، هذا الرد يؤكد أن لدى الحزب مخاوف من السعي إلى تحميله مسؤولية ما يحصل على مستوى الإستحقاق الرئاسي، وهو ما كان قد بدأ به حزب "القوات اللبنانية"، قبل أن يذهب إليه "التيار الوطني الحر" على هامش الجلسة ما قبل الماضية لمجلس الوزراء، في ظلّ الخلاف بينهما حول مقاربة الإستحقاق الرئاسي، بسبب تمسك الحزب بمرشحه غير المعلن، أي رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن السيد نصرالله تعمد، في رده على البطريرك الراعي، تبسيط المسألة، عبر الإشارة إلى الخلافات القائمة بين الكتل النيابية حول الإستحقاق الرئاسي، التي تحول في ظل التوازنات القائمة في البرلمان دون الوصول إلى إنتخاب الرئيس المقبل، بسبب عدم قدرة أي فريق على فرض خياراته على الآخرين، وبالتالي إحالة الموضوع الرئاسي على الحوار، الذي كانت القوى المسيحية أول من رفض الذهاب إليه.
من وجهة نظر المصادر نفسها، ما ينبغي التوقف عنده على هذا الصعيد هو تأكيد أمين عام "حزب الله" أن ليس هناك من فريق سياسي يملك أغلبية 65 صوتاً، المطلوبة لانتخاب مرشحه، من دون تجاهل أن الإنتخاب يتطلب تأمين أغلبية أخرى من 86 نائباً متعلقة بنصاب جلسات الإنتخاب، وهو ما ينطبق أيضاً على مرشحه الذي لا يحظى بتأييد أكثر من 50 نائباً، ويواجه مشكلة أساسية متعلقة بعدم دعمه من أي كتلة نيابية مسيحية وازنة.
في قراءة المصادر السياسية المتابعة، ما تقدم من الممكن أن يفتح الباب، في حال التعامل مع الوقائع بموضوعية، أمام سيناريوهين أساسيين: الأول هو إقتناع الأفرقاء المحليين بضرورة الذهاب إلى طاولة الحوار سريعاً، على أمل الإتفاق على الرئيس المقبل، أما الثاني هو أن تبادر البطريركية المارونية، في ظل الهاجس الذي تحدث عنه البطريرك الراعي، إلى رعاية حوار بين القوى المسيحية الأساسية، أي "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، لا سيما أن أي إتفاق بينهما من الممكن أن يقود إلى حسم هوية الرئيس المقبل.
بين هذين السيناريوهين الصعبين بسبب العقبات التي تعترض كل منهما، تتحدث هذه المصادر عن سيناريو آخر، قد يكون هو الأخطر، يقوم على قاعدة بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية زيادة التوتر بين المكونات السياسية والطائفية، وهو ما كانت معالمه قد بدأت بالظهور في الأيام الماضية، من خلال مجموعة من الطروحات المتعلقة بالتركيبة أو النظام، والتي لن تقود الا الى تعقيد الأزمة أكثر في ظل الواقعين المحلي والخارجي المعروفين.
في المحصلة، ترى المصادر نفسها أنه على الرغم من التوتر القائم في العلاقة بين "القوات" و"الوطني الحر"، فإن الفرصة متاحة أمام البطريركية المارونية للسعي إلى تقريب وجهات النظر بينهما، طالما أن العديد من القوى تسعى إلى رمي كرة التعطيل في ملعبهما، رغم المخاطر التي قد تنجم عن ذلك بسبب إمكانيّة عدم تعاونهما معها عند الوصول إلى لحظة الحقيقة.