قد يكون التعبير الأدق عن الواقع الذي تمر فيه البلاد في المرحلة الراهنة، هو أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء كان يسجل رقماً قياسياً جديداً يوم أمس، 50 ألف ليرة، بالتزامن مع حضور النواب إلى المجلس، للمشاركة في حلقة جديدة من مسلسل جلسات إنتخاب رئيس الجمهوريّة، الذي يؤكد عجزهم عن تحمّل المسؤوليّة في هذه المرحلة المصيريّة من تاريخ لبنان.
في هذا الإطار، من الضروري التوقف، في المشهد العام، أنّ غالبية الأوراق الملغاة كانت تحمل عبارات التوافق أو الأولويات الرئاسية أو العدالة لضحايا مرفأ بيروت، على أمل أن يقود الواقع الحالي إلى إلغاء هذه العناوين بشكل عملي، خصوصاً أنّ مسار الأحداث يوحي بأن غالبية الأفرقاء المحليين يعتمدون، في الوقت الحالي، سياسة اللعب على حافة الهاوية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الجميع يدرك أن الوصول إلى الفوضى الشاملة غير مسموح، بدليل أن الموقف الوحيد الحاسم على المستوى الدولي، في ظلّ غياب الإهتمام الجدي بالملفات السياسية، هو منع ذلك، بالتزامن مع إستمرار الإعلان عن دعم المؤسسات العسكرية والأمنية لتحقيق هذا الهدف.
في المقابل، تلفت هذه المصادر إلى وجود ما يشبه القناعة، عند بعض الأفرقاء المحليين، بأن مفتاح التسوية يكمن بالإقتراب من الهاوية دون السقوط فيها، أي السعي إلى رفع مستوى التصعيد السياسي إلى الحدود القصوى، من دون فتح الباب أمام إحتمال خروج الأمور عن السيطرة في أيّ لحظة.
من وجهة نظر المصادر نفسها، "حزب الله"، بما يشكله من قوة محلية ذات إمتدادات إقليمية، قد يكون من أبرز المدركين لهذا الواقع، الأمر الذي يدفعه إلى التعامل مع التطورات بمنطق تفكيك الإلغام، وهو ما يبرر طريقة مقاربته العلاقة مع "التيار الوطني الحر"، بالإضافة إلى حرصه، في الردّ على ما كان قد طرحه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالنسبة إلى وجود مخطط لإفراغ المواقع المارونية، على نفي هذا الأمر بشكل مطلق.
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر السياسية المتابعة أنه يمكن التطرق إلى مقاربة غالبية الأفرقاء الآخرين، حيث السعي الواضح إلى مغامرة اللعب على حافة الهاوية، فعلى الساحة المسيحيّة تبرز الطروحات المتعلّقة بالتركيبة والنظام، بسبب الخلافات القائمة على المستويين الحكومي والرئاسي، بينما على الساحة الإسلاميّة يبدو أنّ كلاًّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، مستمران في خوض معركة كسر رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.
بالنسبة إلى هذه المصادر، السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلّق بالمدى الذي من الممكن أن تذهب إليه هذه المواجهة، طالما أنّ أفق الحلّ الداخلي لا يزال مقفلاً في حين تغيب الجهود الخارجية الجدّية، خصوصاً بعد الموقف الحاسم الذي كان قد عبر عنه بيان مجلس المطارنة الموارنة أول من أمس، حيث تؤكد أن ليس هناك ما يمنع السقوط في الهاوية في لحظة ما، في ظلّ الظروف الإقتصاديّة والإجتماعيّة القائمة والخلافات السّياسية التي تتصاعد يوماً بعد آخر.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ هذه اللعبة ستبقى مستمرّة، إلى حين إقتناع أحد أفرقائها بعدم القدرة على الإستمرار بها، أو وصولها إلى الحدّ الذي يدفع احدى الجهات الدولية المؤثرة على التدخل، وتضيف: "هنا يمكن العودة إلى تحذير البطريرك الراعي، من مخطط إفراغ المواقع المارونية، تحديداً حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، نظراً إلى أن هذه المسألة لا ترتبط بموقف مكون محلي فقط، بل متعلقة أيضاً بفريق دولي يملك التأثير الكبير، أي الولايات المتحدة، التي تعتبر المس بالموقعين من الخطوط الحمراء".