من المؤسف كشف ما يصلني كل يوم من بيروت، وأخجــل من بعض التصاريح الملتبسة التي تُطلق من هنا وهناك على صعيد حـل الأزمة السياسية العالقة، أكثر ما يقلقني ما ورد إليَّ عبر إتصال هاتفي من أُمّ لبنانية طلبت منّي أن أوعز إلى مكتبنا في بيروت وتحديدًا للشخص المعني أنْ تُقايض الحليب والسكّر والصابون بثياب طفلتها، كما هناك سيّدة أخرى تسعى لإقناعي لإقراضها مبلغًا من المال من المكتب في لبنان مقابل رهنها لصيغتها ولآلة رياضيّة يستعملها زوجها بعد أنْ أصيبَ بداء منعه من التحرك...
ألا يخجل ساسة لبنان من هذا الواقع المزري الناتج عن أفعالهم النتنة... أم تريد المقايضة بثياب طفلتها وأخرى ترهن قطعة ما، ألا يكفي هذا الأمر ليتحرّك أصحاب الضمائر لفعل أي شيء إنقاذي؟! حتمًا وقد صح من قال "إنّ اللبنانيين شعب "تْيُوبْلِسْ"، لا يتحركون ويرتهنون لزعامات هي أصل العلّة بحاضرهم ومستقبلهم".
في لبنان يا سادة خرج آكـل الحــرام ليتكلّم عن الحلال، وخــرج السارق ليتكلّم عن الأمانة، وخرج الفاسد ليتكلّم عن الأخلاق، وخرج الظالم ليتكلّم عن العدل... أي واقع نحن فيه؟ يا سادة، إنّ الساكت عن الحق شيطان والساكت عن الباطل شيطان خبيث ملعون... كم من أفعال الزنى السياسي نراها اليوم في لبنان وخلال الأزمة في بعض الوزارات والمقرات الرسمية، خطف الأطفال وإنتهاك حرمات المنازل وحتى الكنائس والمساجد وسرقة محتوياتها والعبث بالدستور، إضافة إلى إنتشار أعظم فاحشتين وهما المثليّة والزنى (مثليّة وزنى سياسي)، وتفّشي الخبائث وظلم الشعب والفقراء وأكل حقوق الشعب اللبناني، وتساهل في إنكار المنكر وتباطؤ في التواصي بالمعروف، كما التكاسل في النصيحة حتى هلك معظم الشعب اللبناني. أهذا هو لبنان الذي بناه أجدادنا بعرق الجبين وأوصونا بصونه؟ طبعًا لا، هذا اللبنان لا يشبهنا ولسنا من أتباعه، إنه لبنان العار، ومن الواجب غسلُ عاره بأقرب فرصة، وبالسوط الذي إستعمله السيّد المسيح عملاً بما ورد في الكتاب المقدّس "أليس مكتوبًا بيتي بيت صلاة يُدعى لجميع الأمم؟ وأنتم جعلتموه مغارة لصوص"(مرقس الفصل 11 الاية 17) ، وعلى ما ورد في المصحف الكريم "وإذا فعلوا فاحشةً قالوا وجدنا آباءنا والله أمرنا بها قُـل إنّ الله لا يأمـر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون" (سورة الأعراف الآية 28).
على رغم فداحة الأوضاع السياسية، الأمنية، الإقتصادية، المالية والإجتماعية... ورغم أنّ الإحتجاجات التي تحصل تسيطر عليها قوى الأمر الواقع تارة بالإغتصاب، وطورًا بالإعتقالات التعسفية، فإنّ الإنهيار المتعاظم في لبنان يُصنّفه باحثو السياسية بأنه" أزمة قد تقود إلى الإنحــدار نحو الفوضى"، ومع شحّ كل المواد الأساسيّة وخسارة معظم اللبنانيين نحو 96% من قدراتهم الشرائيّة، يرى هؤلاء الخبراء بعدما راجعناهم أنّ "إستفحال الأزمة يوفر شروط إنتفاضة شعبيّة وطنيّة ضد المخاطـر التي تتهدَّد اللبنانيين ومستقبلهم في وطنهم".
إزاء هذا الأمر، نوجه هذه الرسالة لأصحاب الشأن وبداية سيِّد بكركي الذي لا يترك مناسبة إلاّ ويُضيء على الواقع الأليم، ولكنه ويا للأسف لا يرفد عظاته وأقواله ضمن مجالسه الخاصة بخارطة طريق من شأنها إعادة تصويب الأمور نحو أجواء تتيح إسترجاع الحد الأدنى من الكرامة للشعب وللبنان.
سيّدي البطريرك، نعم نريد إنتخاب رئيس جديد للجمهورية واليوم قبل الغد، ولكن من هو هذا الرئيس "رئيس عينو شبعاني" هذا ما ورد في عظة الأحد الماضي، ولكن في لبنان لا وجود لمرجعيّة صاحبة "عين شبعاني" هناك "قوّداين سياسيين"، من هنا نناشدكم خلق فريق عمل يُرّتب الأولويات السياسية، الأمنية، الإقتصادية، المالية والإجتماعية، ويتفق على برنامج عمل مُلزم لهذا الفريق الرئاسي، وإلاّ ستذهب عظاتكم سُدًى، حتى إني أخشى من تطويعكم وكرسيكم من قبل من تستقبلونهم بالأحضان وهم السبب في الأزمات الراهنة...
سيّدي البطريرك ركِّـــز على خطاب سياسي جامع ولا تؤخذ بالشعارات، ولا تُحارب بالإنابة، بل واجه بالمباشر وتجرّأ بتوصيف الأمور بأسمائها. لقد خجلت بالأمس من الفقرة الأولى الواردة في البيان الشهري لمجلس المطارنة الموارنة، لا تدخل في البازارات السياسية ولا بالتأويل ولا بالإجتهادات ولا تؤخذ بالزيارات ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد وإعمل بالنصائح التي تعطى لك وتيّقن من الذين يقصدونك ويغرّونك...
نرفض أن يكون لبنان وطنًا للمقايضة على صفحات عقود البيع، وحذار من التمادي في تضييع الوقت، إنّ الأمور وصلت للإنهيار وبالتالي بات الأمر يتطلب إلغاء صكّ بيع أو رهن الوطن .