على وقع تراجع الحديث عن حراك خارجي، كان من الممكن أن يقود إلى تسوية في لبنان، بالتزامن مع صعوبة الوصول إلى مسار داخلي قادر على تولي المهمة، تطرح الكثير من الأسئلة حول مصير الأزمة المحلية، خصوصاً مع تزايد المؤشّرات التي توحي بأن التصعيد سيكون هو سيد الموقف، نظراً إلى أن غالبية الأفرقاء يشعرون بالحرج، بسبب عدم قدرتهم على القيام بأيّ مبادرة جدّية.
في الأسبوع المنصرم، كان العنوان الأبرز على هذا الصعيد هو إعلان النواب التغييريين عن الإعتصام في المجلس النيابي، الامر الذي فُسّر على أساس أنّه خطوة شعبويّة لن تقود إلى أيّ حلّ، في حين كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يسجل المزيد من المستويات القياسية، وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة، في المرحلة المقبلة.
في هذا السياق، تشير مصادر سيّاسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن تراجع الحراك الخارجي، في المرحلة الماضية، دفع بالعديد من الجهات المحلية إلى تجديد الدعوة إلى عدم الرهان على هذا المسار، على قاعدة أن الظروف الحالية لا تسمح بأن تقود إلى إنتاج تسوية، لا بل إلى تعقيد الأمور أكثر، لا سيما أن كل ما يطرح يأتي ضمن الإطار الذي لا يفضي بالوصول إلى نتيجة.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه قبل نهاية العام الماضي كان الحديث عن عقد لقاء رباعي في باريس، يضم فرنسا وأميركا والسعودية وقطر، لكن مع بداية العام الحالي بدأت المعلومات تتضارب حول موعده ومستوى تمثيل الدول فيه، إلا أنّها تلفت إلى أن ما ينبغي التوقف عنده هو أنه عند البحث في توسيع قائمة المشاركين، كان هذا الأمر من أجل إنضمام مصر لا إيران، بالرغم من أنّ الجميع يدرك أن غياب طهران يعني أن مستوى التعويل على ما يمكن أن ينتج عنه منخفض جداً.
بالنسبة إلى المسار الداخلي، توضح المصادر نفسها أن مختلف القوى تتفق على أن الحوار هو المخرج الوحيد، لكنها لا تظهر أيّ مؤشرات راغبة في الوصول إلى ذلك، لا بل أن التصعيد هو سيد الموقف، في حين أن كل ما يحصل من لقاءات ثنائية لا يزال دون المستوى المطلوب، وكأنّ الأمور تدور حول نفسها وفق مسارين: الأول يعتبر أن المطلوب إنتظار ما قد يأتي من الخارج، أما الثاني فيرى أنّ الحل وجب أن ينطلق من بيروت، طالما أن القوى الإقليمية والدولية غير مهتمة.
من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، ما ينبغي التوقف عنده هو التسارع القائم على مستوى الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، خصوصاً في ظلّ الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار، الذي يقضي على أيّ محاولة ممكنة لمعالجة المشكلة الأساسية على هذا الصعيد، أي تآكل قيمة الرواتب والأجور، في حين أن الإضرابات عادت إلى القطاع العام، لتفرض تحدياً جديداً على حكومة تصريف الأعمال، غير القادرة على القيام بالحد الأدنى المطلوب منها.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن هذا الواقع يؤشّر أن الأمور ذاهبة للمزيد من التصعيد، خصوصاً مع عودة بعض التحرّكات الشعبية، التي لا تزال محدودة، إلى الواجهة، مع العلم أن هناك العديد من العوامل التي من الممكن أن تدفعها إلى التصاعد، وبالتالي لا يمكن إبعاد هذا السيناريو من دائرة الإحتمالات، لا سيما إذا ما قررت بعض الجهات الإستثمار فيه، الأمر الذي يدفع بعض الأفرقاء لتحريك عجلة الإتصالات السياسية، مع الادراك أن فرص نجاحها شبه معدومة.