على الرغم من أن غالبية القوى السياسية تتفق على معادلة: غياب الإهتمام الدولي بإنتاج تسوية لبنانية، إلا أن ذلك لا يمنع بعضها من طرح الكثير من علامات الإستفهام حول مجموعة من التطورات، التي توحي بوجود ما يُحضر لهذه الساحة، الأمر الذي من المفترض أن تتكشف معالمه بشكل أكبر في الفترة المقبلة، لا سيما إذا ما استمرت المعطيات الإقليميّة والدوليّة على ما هي عليه اليوم، لناحية الصراعات المفتوحة على أكثر من جبهة.
في هذا السياق، من الضروري التشديد على أنّ هذه التطورات، التي تصب في إطار زيادة الضغوط على الأفرقاء المحليين، يتحمّل المسؤولية عنها هؤلاء الأفرقاء أنفسهم، نظراً إلى أنّهم في الأصل فتحوا الأبواب أمام مثل هذه الضغوط، ولم يتنبّهوا إلى مجموعة من الرسائل غير المباشرة، التي كانت تبعث لهم على فترات عدة.
على هذا الصعيد، تتحدث مصادر متابعة، عبر "النشرة"، عن مسار عام يتصاعد منذ ما قبل نهاية العام المنصرم، حين عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحديث عن وجوب تغيير القيادة في لبنان، معتبراً أن "الطبقة السياسية التي تعيش على حساب البلد ليس لها الشجاعة للتغيير"، بالرغم من أنّ المعلومات كانت لا تزال تتكلم أن بلاده تسعى لعقد لقاء دولي يبحث الملف اللبناني مع بداية العام الجديد، قبل عودة الحديث عن تبدل موعود أكثر من مرة، بالإضافة إلى تراجع مستوى التمثيل الذي يتم التداول به.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، كلام ماكرون لا يمكن أن يُفصل عن عوامل أخرى مؤثرة، منها الرسالة التي وجّهها 3 أعضاء في الكونغرس الأميركي، إلى وزير الخارجية انتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يالين، للمطالبة برفع مستوى الضغط الدبلوماسي لمساعدة لبنان على حلّ أزمته، بالإضافة إلى تصويت مجلس النواب البلجيكي، بالإجماع، على القرار الذي ينص على دعم مكافحة الفساد، وتفعيل العقوبات على الملاحقين بجرائم مالية في لبنان وأوروبا.
من وجهة نظر هذه المصادر، وضمن الإطار نفسه تأتي مهمّة الوفود القضائيّة الأوروبيّة، المتعلّقة بملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالإضافة إلى زيارة قضاة فرنسيين لمتابعة التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى قرار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بالعودة إلى متابعة الملف، والكشف عن توجّهه إلى الإدعاء على شخصيات جديدة، بينها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، في حين كانت قد بدأت بالظهور معالم ضغوط أميركية لحسم ملف الموقوفين.
في هذا الإطار، تسأل المصادر المتابعة عما إذا كان كل ذلك يأتي من باب الصدفة، لا سيما أنه جاء بالتزامن مع مجموعة من التطورات على الصعيد الداخلي، تبدأ من الإرتفاع المستمرّ في سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى مستويات قياسيّة، بما يحمله من تداعيات على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، بالإضافة إلى إعلان النواب التغييريين الإعتصام في المجلس النواب، لفرض الذهاب إلى خيار الجلسات المفتوحة، من دون تجاهل أن تطورات ملفّ المرفأ قد تكون مقدّمة لتحركات شعبيّة، سواء كانت من جانب الأهالي أو المتضررين.
هنا، تذكر المصادر نفسها، طالما أن الملفات التي تفتح من جديد ذات صلة، بأن الإتحاد الأوروبي كان قد تبنى، في شهر تموز من العام 2021، إطار عمل لإجراءات تقييدية هادفة لمعالجة الوضع في لبنان، ينص على إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولين عن تقويض الديمقراطية أو سيادة القانون في لبنان، الأمر الذي يدفعها إلى الحديث عن احتمال أن يكون كل ما يحصل مقدمة لذلك، خصوصاً أن ليس هناك ما يوحي بأنّ الأفرقاء المحليّين في وارد الخروج من دوّامة العرقلة.
في المحصّلة، ما ينبغي التوقف عنده، ضمن هذا المسار، الذي من الممكن أن يقود إلى تفجير الأزمة أو إلى تعجيل التسوية، هو الحرص الشديد من قبل القوى الغربيّة على دعم الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة، الأمر الذي يؤكد بأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن العبث بها.