على مدى اشهر عدة، توقع الكثيرون اعلان الطلاق بين التيار الوطني الحر وحزب الله، ولم يكن ينقص (بالنسبة اليهم) سوى الوقت وذلك بعد التوتر الكبير الذي ساد بين الطرفين لاسباب عدة باتت معروفة ولا لزوم لتكرارها. ولكن في المقابل، تمسك الكثيرون (ونحن منهم) بفكرة ان الطلاق بين الجانبين لن يبصر النور، لانهما بحاجة الى بعضهما على الرغم من كل الاختلافات في الرأي حول العديد من المواضيع والتوجهات. ولقطع الشك باليقين، كانت الزيارة التي قام بها وفد من الحزب الى ميرنا الشالوحي والكلام الذي صدر بعدها والذي اكد ان لا مكان للطلاق بين الاثنين. وفي رأي مصادر متابعة، فإن الزيارة حملت اكثر من هذا التأكيد واتت ضمن مسار مدروس وضعه الحزب في الفترة الاخيرة، ويقضي بتخفيف حدة الازمة قدر الامكان وتمرير الوقت الى حين ظهور الحل السحري الذي سيعيد الجميع الى حظيرة التناغم والتوافق المنتظر.
وتقول المصادر ان الزيارة الى مقر التيار حملت معها الكثير من الدلالات، واولها اعادة الاعتبار لرئيس الوطني الحر النائب جبران باسيل، خصوصاً بعد ما قيل عن تفضيل الحزب لرئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي عليه وهو ما ظهر في تأمين نصاب جلستي مجلس الوزراء، والتماشي معه في عدد من المواضيع. واتت الزيارة والكلام بعدها وتأكيد وقوف الحزب الى جانب باسيل اي بمعنى آخر عدم القبول باستضعافه داخلياً او القفز فوقه في القرارات التي يجب اتخاذها بما يهدد تقليص نفوذه ونفوذ التيار الذي يرأسه، بما يعزز ايضاً الغطاء المسيحي الذي يتمتّع به الحزب عبر التيار على الساحة الخارجية.
وترى المصادر نفسها انه من نتائج الزيارة ايضاً توثيق الاتصالات مع الطرف المسيحي بعد زيارة اساسية ومهمّة الى بكركي لازالة الالتباسات والتحدّيات، وهي ايضاً خطوة من شأنها عدم استفراد باسيل على الساحة المسيحيّة واقفال الطريق امام اي محاولة للتشكيك بمسيحيّته وشعبيّته على هذه الساحة، مع التناغم الاخير الذي حصل بين ميرنا الشالوحي وبكركي في ما خصّ الكثير من المواضيع وفي مقدمها موضوع صلاحيّات رئاسة الجمهوريّة وعدم تقبّل انعقاد مجلس الوزراء في ظلّ الفراغ الرئاسي. ومن الطبيعي ايضاً ان تكون تداعيات هذه الزيارة، التخفيف من اندفاع حزب القوّات اللبنانيّة على الساحة، وضمان عدم انتقال التّيار الى الضفة الاخرى، مرغماً، اذا ما وجد نفسه محاصراً ومعزولاً، مع محاولة جّدية لعدم تنامي شعبية القوات في الشارع المسيحي كي لا ترتدّ سلباً على التيار، وهذا يرسّخ حتمية التفاوض مع باسيل حول الكثير من الامور من قبل الاطراف الداخلية.
وترى المصادر انّ هذه الزيارة، وضعت حدّاً لتهديدات باسيل بطرح اسماء جديدة لرئاسة الجمهورية لـ"زكزكة" الحزب، ليعيد الاعتبار اليه، خصوصاً وانه فقد بعضاً من صورته السياسية باعتبار انّ ميقاتي تفوق عليه مرتين بعقده جلستين لمجلس الوزراء وفي حضور وزراء مستقيلين قريبين منه ومحسوبين عليه (تحديداً وليد نصار وامين سلام)، وبالتالي لم يعد هناك من مبرر لخروج باسيل والتيار عن السقف الذي كان محدداً سابقاً في ما خص الاستحقاقات العديدة ومنها بطبيعة الحال الانتخابات الرئاسية، من دون ان يعني ذلك القبول برئيس المردة سليمان فرنجية، انما على الاقل اعادة الامور الى ما كانت عليه وعدم تعقيدها اكثر مما يجب.
وعلى خط آخر، قد تشكّل الزيّارة فرصة لحصول تقارب ما بين التّيار والحزب الاشتراكي، على الرغم من انّ هذه الفرضيّة قد تكون بعيدة نسبياً في ظلّ الكيمياء المفقودة بين التّيار ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يملك تأثيراً كبيراً على رئيس الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، ولكن في الامور السياسية اللبنانية ليس هناك من مستحيل...