"لبنان من أضعف البلدان في المنطقة في تأمين الحماية الاجتماعية لكبار السنّ". هذه العِبارة هي خلاصة تقرير أصدرته "المؤسّسة الدوليّة لكبار السنّ" ومنظمة العمل الدولية، منتصف العام الماضي، بعنوان "صرخة أمل وألم"، حيث يعرض التقرير شهادات كبار السنّ في لبنان، وهم ينقلون معاناتهم في ظل غياب نظام حماية اجتماعية شامل ومناسب.
ومع استفحال الأزمة في لبنان وانعكاسها على كافة فئات المجتمع، يواجه كبار السنّ تحدّيات يوميّة لتأمين احتياجاتهم الأساسيّة، من غذاء ودواء ومسكن. وبحسب التقرير، يعتمد حوالي 80% منهم على أسرهم للحصول على الدعم المالي أو على مُدّخراتهم التي فقدت قيمتها، إنْ وجِدت.
في هذا الإطار، يكشف الباحث في "الدوليّة للمعلومات" محمد شمس الدين أنّ عدد المسنّين في لبنان، الذين تجاوزوا سنّ الـ 64، يبلغ 851,258 ألف شخص، ما يُشكّل 15 بالمئة من اللبنانيين، في حين أنّ معظم كبار السنّ لا يتلقّون أيّ معاش تقاعدي أو دعم مالي من الدولة على الإطلاق.
مسنّون في سوق العمل
"أبو محمد" رجل سبيعني لديه محل صغير لبيع الخضار في بيروت، يعمل من الخامسة صباحًا حتى الخامسة بعد الظهر، لتأمين قوت يومه وثمن الدواء له ولزوجته. يشير إلى أنَّ "العمل الذي أقوم به مُتعب جدًا ولكن لا سبيل للاستمرار من دونه خصوصًا أنّ كلفة المعيشة مرتفعة جدًا، وأولادي ليس لديهم أي قدرة على مساعدتي ماديًا".
ويكشف "أبو محمد" أنّ بعض الجمعيّات يُقدّم له حصصًا غذائية، بين الحين والآخر، كما يلجأ إلى أحد مراكز الرعاية الصحيّة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على بعض الأدوية، لكن كل هذه الأمور ليست كافية لتأمين عيش كريم له في أواخر عمره، على حدّ تعبيره.
ويعتبر أنّ "رجل في هذا السنّ يجب أن يكون لديه معاش ثابت من الدولة وأن تكون كلفة علاجه مجانية، لا أنْ يضطرّ إلى العمل لأكثر من 12 ساعة يوميًا"، مشيرًا إلى أنّه "يعيش، منذ تفاقم الأزمة في لبنان في العام 2019، هاجس الحاجة إلى دخول مستشفى، لأنّ كلفة العلاج مرتفعة جدًا وتفوق قدرته".
جمعيّات تحلّ مكان الدولة
في ظل هذا الواقع الصعب ومع عدم قدرة الدولة على القيام بواجباتها، يبرز دور الجمعيّات والمؤسّسات، التي تُعنى بدعم ومساعدة كبار السنّ. فهناك العديد من مؤسّسات رعاية المسنّين، بعضها متعاقد مع وزراة الصحة (جدول مرفق بالأسماء والعناوين في خِتام المقال)، وهي موزّعة على كافة المحافظات كالتالي:
محافظة بيروت: دار رعاية واحدة
محافظة جبل لبنان: 4 دور رعاية
محافظة الشمال: 8 مؤسّسات
محافظة عكار: مؤسّستان
محافظة البقاع: جمعيّتان
محافظة بعلبك-الهرمل: مؤسّسة واحدة
محافظة الجنوب: 3 دور رعاية
محافظة النبطية: جمعيّة واحدة
أمّا بالنسبة إلى نوادي المسنّين المتعاقدة مع الوزارة، فعددها 15 موزّعة على الشكل الآتي: جمعيّة واحدة في محافظة بيروت؛ سبع مراكز في محافظة جبل لبنان؛ ناديان في محافظة لبنان الجنوبي؛ أربع جمعيّات في محافظة النبطية؛ وجمعيّة واحدة في محافظة البقاع.
"عصا وقلب"
في هذا الإطار، تهتمّ جمعيّة "عصا وقلب" بتأمين الرعاية اللازمة للمسنّين داخل نادي الجمعيّة في منطقة جونية بجبل لبنان. ويؤكّد أمين عام الجمعيّة الممثل زياد سعيد أنَّ أحد أهم أهداف الجمعيّة هو أنْ يبقى المسنّ في منزله بدل أن يذهب إلى المأوى، وذلك من خلال تأمين كافة مقوّمات الحياة له. ويُشير سعيد إلى أنّ "الجمعيّة تُقدّم الدعم لـ 51 مُسنًّا حاليًا، وتفتح مركزها من الإثنين إلى السبت، من الثامنة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر، وتُقدّم للمُسنّين وجبات الغذاء وبعض المؤن والأدوية والعلاجات، وتساعد من يحتاج منهم لدخول المستشفى، وكل ذلك في جوّ من الألفة والمحبة والروح العائلية".
ويُتابع سعيد: "الجمعيّة تُقدّم حصصًا غذائية للمسنّين بشكل دوري، وتُنظّم نشاطات ترفيهيّة وتوعويّة داخل وخارج مركزها". ويكشف أنّ الجمعيّة بدأت أعمالها بميزانية متواضعة قبل 18 عامًا، معتبرًا أنَّ "مصداقية الجمعيّة وعملها الواضح والشفّاف يدفعان الكثيرين إلى تقديم الدعم لها، وبالتالي لن ننتظر الدولة كي تقوم بواجبها، فهي غائبة منذ زمن بعيد، وكل فرد منّا لديه مسؤولية تجاه مجتمعه".
"دار الأمان لرعاية المسنّين"
على صعيد الدْور التي تستضيف المسنّين، يبرز إسم "دار الأمان" لرعاية المسنّين في بلدة العباسيّة بقضاء صور. ففي العام 2005، أعلنت "جمعيّة المبّرات الخيرية" إنشاء "مستشفى دار الأمان لرعاية المسنّين"، ليُضاف إلى المؤسّسات الإنسانية التي تهتمّ برعاية كبار السنّ الذين لا يجدون من يقوم بخدمتهم، وتحقيقًا للتضامن والتكافل بين فئات المجتمع.
وتؤكّد الجمعيّة أنها تسعى، من خلال "مستشفى دار الأمان لرعاية المسنّين"، إلى تأمين مناخ أسري عائلي دافئ يرعى المسنّين ويؤمّن لهم الخدمات الصحيّة الأساسية، التشخيصيّة والوقائية والعلاجية، فضلاً عن تأمين خدمات العلاج التأهيلي والفيزيائي، وتنظيم النشاطات الترفيهيّة والإجتماعية المختلفة.
يؤكّد مدير الدائرة الصحيّة في "جمعيّة المبرّات الخيريّة" ومدير عام "مستشفى دار الأمان لرعاية المسنّين" أسعد حيدر أنّ "دار الأمان يضمّ حاليًا أكثر من 80 مُسّنًا من نساء ورجال، ويوفّر الدار الخدمات الطبيّة التي يقدّمها أطبّاء متخصّصون يتولّون متابعة المرضى بصفة دورية مع طاقم تمريض متكامل، يبذل الجهد والحرص التام على الوقاية من الأمراض السارية والمُعدية. كذلك يقوم بالكشف الدوري على النُزلاء وتقديم الأدوية اللازمة، كما يُقدّم العلاج والمتابعة بمواعيدها المحدّدة".
ويوضح حيدر أنَّ "الخدمة الاجتماعية واحدة من الخدمات التي نُقدّمها أيضًا، وهي تُركّز على تأمين استمرارية علاقة المسنّ وتواصله مع أسرته ومجتمعه، عن طريق البرامج التالية: برنامج الزيارات المُتبادلة بين المسنّ وأهله، برنامج الاستضافة المؤقتة لبعض المسنّين، وتنظيم الزيارات لفئات مختلفة من المجتمع لدعم المسنّ في المركز".
ويُضيف: "بالنسبة إلى موضوع الغذاء، فهذه الخدمة تتمّ بشكل يتناسب مع كل مُسنّ وبحسب حالته الصحية، من خلال اختصاصي تغذية يشرف على إعداد الوجبات اليوميّة داخل مطبخ المستشفى. كما نُقدّم خدمات ترفيهيّة للنُزلاء، كزيارة الأماكن الطبيعية والأثرية، والمشاركة في الاحتفالات والمناسبات العامة، فضلاً عن البرامج والأنشطة المتنوّعة التي تُقام داخل الدار".
ويكشف حيدر عن "وجود وحدة للعناية المُلطّفة تضمّ 4 أسِرّة لمرضى الحالات الحرِجة مع غرفة للعزل. كما يضمّ الدار مركزاً للعلاج الفيزيائي والعلاج النفسي والعلاج المائي وناديًا رياضيًا وصيدلية، وهناك أيضًا قسم لمكافحة العدوى يُشرف عليه اختصاصي في الأمراض المُعدية". ويشير إلى أنّ "الدار يُوفر لكبار السنّ الخدمة داخل بيوتهم، وقد أطلقنا حملة "صحتك بأمان" لناحية الرعاية الصحية الأوليّة، وتقديم الأدوية والغذاء، والمساعدات المالية والعينيّة، حيث يقوم طبيب وممرّضة ومساعدة اجتماعية بالكشف الطبي على المسنّين في القرى، بالإضافة إلى الإرشاد الصحي والاجتماعي والنفسي".
ويؤكّد حيدر أنّ "دار الأمان لا يُميّز على أساس الطائفة او الجنسية أو ما شابه من أشكال التمييز، وأي مُسنّ تجاوز عمره الـ 64 ويحتاج إلى الرعاية وتنطبق عليه الشروط المطلوبة، لا نتردّد في استقباله"، مُركّزًا على أنّ "الصعوبات التي تواجهنا هي في موضوع الكلفة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت كلفة المُسنّ الواحد من 700 ألف ليرة شهريًا إلى 22 مليون، فيما لا تزال الدولة تدفع 26 ألف ليرة يوميًا فقط عن كل مُسنّ، وبالتالي لا بُدّ من مناشدة المعنيّين ورفع الصوت لدعم مثل هذه المؤسّسات والوقوف إلى جانبها كي تتمكّن من الاستمرار في خدمة كبار السنّ".
استنادًا إلى خبرة العاملين في مجال رعاية المسنّين، لا بدّ من التأكيد على ضرورة قيام الدولة بدورها في حماية هذه الفئة الضعيفة من المجتمع من خلال رفع قيمة مُخصّصات الوزارات المعنيّة، واعتماد معاش شيخوخة غير قائم على الاشتراكات يكفل حدًّا أدنى من الدخل لجميع كبار السنّ في لبنان، ويساهم في تأمين عيش كريم للعاملين في القطاعات غير الرسمية. ولا بُدّ أيضًا من إصلاح نظام تعويض نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتحويله إلى نظام معاشات تقاعدية للعاملين في القطاع الخاص يوفّر مدفوعات مُنتظمة طوال فترة التقاعد، بالإضافة إلى دعم الجمعيّات والمؤسّسات التي توفّر الحماية والدعم لكبار السنّ.