أهلا بكم في "عصفورية القضاء اللبناني"، هذا ببساطة التوصيف الذي ينطبق على ما حصل بالأمس في ملف إنفجار مرفأ بيروت. فجأة تذكّر المحقق العدلي طارق البيطار بعد غياب دام ثلاثة عشر شهراً أنه يحقق في ملف مرفأ بيروت، "شهر سلاحه" ومسّ بالمحرمات وإدعى على كلّ من مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم رئيس المجلس الاعلى للجمارك العميد اسعد الطفيلي عضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي والقضاة غسان عويدات وغسان خوري وكارلا شواح وجاد معلوف.
ما بين البيطار وعويدات
جنّ جنون مدعي عام التمييز المتنحي عن الملف غسان عويدات، الذي إعتبر أن يد القاضي طارق البيطار مكفوفة عن الملف واتخذ قراراً باطلاق سراح كافة الموقوفين في انفجار مرفأ بيروت دون استثناء ومنعهم من الصرف، وهذا ما حصل فعلاً ردت الضابطة العدلية على عويدات وأطلقت الأجهزة الامنية جميع الموقوفين دفعةً واحدة.
كثيرة هي الاسئلة التي تطرح في ظلّ ما حصل، فهل يحقّ لطارق البيطار أن يعود الى مزاولة مهامه بشكل طبيعي والقيام بالإدعاء على مسؤولين في الملف؟ ما مدى قانونية ما فعله القاضي عويدات المتنحي أصلاً عن الملف؟!
تبرير البيطار
استند المحقق العدلي طارق البيطار في الرسالة التي علّل فيها عودته الى الملف. بحسب مصادر قضائية بأنه "وبحسب القانون تقديم طلب ردّ يوقف عمل القاضي للحين ببت طلبات الردّ، ولكن قاضي التحقيق العدلي لا يخضع للردّ وليس من شأن تقديم طلب الردّ أن يعلّق عمله".
في المقابل تتطرّق المصادر القضائية عبر "النشرة" الى ما قام به عويدات، متسائلة "كيف يعود الى الملف بعد أن كان تنحّى عنه ويخلي سبيل جميع الموقوفين"، معتبرة أن "ما قام النائب العام التمييزي هدفه إقفال ملف المرفأ لتضيع المسؤوليات"، ومضيفة: "في خضم هذه المعركة واطلاق الموقوفين اطلق سراح اللبناني الذي يحمل الجنسية الأميركية زياد ابو عوف وسافر فوراً، والسؤال هنا: "كيف سمح الأمن العام بسفره والقرار الذي اصدره عويدات يتضمّن منع سفر للجميع؟".
استناد الى احكام العهد الدولية لاطلاق الموقوفين
"كلّ القرارات التي صدرت مستغربة ولا ترتكز الى نصوص قانونية صريحة وهي قرارات تحمل الكثير من الجدل". هذا ما يؤكده الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين عبر "النشرة"، لافتا الى أن "المحقق طارق البيطار اعتبر أن طلب الرد لا يوقف عمله أو يعلّقه، بعد أن كان علّق عمله لسنة وشهرين".
يشير عادل يمين أيضا الى أن "القاضي عويدات إعتبر أنه عملاً بأحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فان التوقيف الاحيتاطي هو استثناء على قاعدة الحرية ولا يجوز اللجوء اليه الا بطريقة استثنائية"، مشددا على انه "يجب ان يكون هناك قاضي يستمع وينظر في طلبات إخلاء السبيل التي يقدمها الموقوفون احتياطياً وبما انه لا يوجد قاضي باعتبار أن طارق البيطار مكفوق يده عن الملف اتخذ عوديات قراره باخلاء السبيل".
لا شكّ أننا سندخل في متاهات قانونية وقضائية في ظلّ الاشتباك القضائي، وسنكون أمام سيناريوهات ضبابية، ففي حال قرّر مجلس القضاء الأعلى تعيين محقّق عدلي رديف واذ ذاك قد نشهد مسارين للتحقيق: المسار الأول يقوده القاضي طارق البيطار والمسار الثاني يقوده المحقق العدلي الرديف.
طبعاً، دخلنا في فوضى قضائية غير مسبوقة وهو مشهد مؤسف جداً ولا يليق بلبنان.