على الرغم من أن "الطبخة" الرئاسية لم تنضج بعد، إلا أنها في المقابل لم تصل في أي مرحلة ماضية إلى ما وصلت إليه في الأسبوع الحالي، حيث بات من الممكن الحديث عن حراك جدي متعدّد الأوجه، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، ما يؤشر إلى إمكانية الخروج من "النفق" في وقت قريب.
في هذا السياق، من الضروري إعادة التذكير بأنّ ما حصل، في الأسبوع الماضي، من "فوضى" حول مجموعة من الملفات، خصوصاً القضائيّة والماليّة منها، أثارت حولها الكثير من علامات الإستفهام، كانت السبب الأساسي في وضع غالبيّة الأفرقاء أمام واقع جديد، وجدوا أنه بات من الضروري التعامل معه سريعاً.
في هذا الإطار، هناك مجموعة من المؤشّرات التي تستحقّ التوقّف عندها، أبرزها خروج رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط من دائرة الإصطفاف خلف رئيس حركة "الاستقلال" ميشال معوض، فاتحاً الباب أمام إمكانية التوافق على مرشح ثالث، من خارج الإنقسام التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار سابقاً، من خلال وضعه ترشيح معوض في مقابل ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية.
وفي حين تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ قوى الثامن من آذار، تحديداً الثنائي الشيعي، كانت تراهن بشكل أساسي على إمكانيّة إقناع جنبلاط بالتصويت لصالح فرنجيّة، إلى جانب مجموعة من النواب السنّة، ترى أنّ معادلة رئيس "الاشتراكي"، الذي طرح مجموعة من الأسماء أبرزها قائد الجيش العماد جوزاف عون، تدفع إلى إعادة البحث في أوراق قوة رئيس تيّار "المردة"، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري إلى اليرزة.
حتى الساعة، تؤكّد المصادر نفسها أنّ الثنائي الشيعي لا يزال متمسكاً بفرنجية، على أساس القدرة على تأمين 65 صوتاً له، إلى جانب توفير نصاب جلسة الإنتخاب الذي يتطلب حضور 86 نائباً، بالإضافة إلى إمكانيّة أن يحظى إنتخابه بغطاء خارجي أو على الأقل عدم ممانعة، وهو ما يسعى إليه بشكل أساسي رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالرغم من هذه الأمر، بحسب ما هو ظاهر حتى الآن، صعب جداً، وهو لذلك يطرح حتمية تعديل الدستور في مواجهة تقدم أوراق قائد الجيش.
إلى جانب بري وجنبلاط، حيث من المستبعد أن يكونا ضمن محورين متناقضين في الإستحقاق الرئاسي عندما تصبح المعركة جدّية، تشير هذه المصادر إلى ضرورة التوقف عند الحراك الذي تقوم به البطريركية المارونية، التي كانت قد حصلت على دعم رؤساء الطوائف المسيحيّة لجمع النواب المسيحيين، بعد أن كان البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد بادر إلى الإجتماع مع كل من رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس تيار "المردة" في الأسبوع الماضي.
في هذا المجال، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى أن مسار بكركي قد يكون هو الأكثر قدرة على إنتاج حلّ سريع، نظراً إلى أن إتفاق المكونات المسيحيّة على مرشح معين لا يمكن تجاوزه، لكنها ترى أنّ هذا الأمر لا يتطلب إجتماع جميع النواب المسيحيين، بل يمكن الإكتفاء بعقد إجتماع بين رئيسي "التيار الوطني الحر" وحزب "القوّات اللبنانية"، لكن الخلافات بين الجانبين تحول دون ذلك، مع العلم أنّ باسيل يبدي دعماً كبيراً لخطوات البطريركية المارونية.
من وجهة نظر المصادر نفسها، كل الحراكات الداخلية، التي تعكس "حماوة" النقاشات، تحتاج إلى أمر ما كي تنضج، فطرح جنبلاط يحتاج إلى إقتناع الثنائي الشيعي بالتخلي عن فرنجية، بينما طرح هذا الثنائي يتطلب إقناع أحد الأفرقاء الأساسيين الآخرين بالإنضمام إليه، في حين أن حراك بكركي، التي ترفض الدخول المباشر في لعبة الأسماء، ربما يتطلب العودة إلى ما يشبه إتفاق معراب، وهو ما لا يمكن تصوّره، في الوقت الراهن، إلا على مستوى إمكانية التوافق على وضع فيتوات حول بعض المرشحين.
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ ما ينبغي رصده، في المرحلة المقبلة، هو تطور هذه الحراكات بعد لقاء باريس المقرّر عقده في الأسبوع المقبل، بالرغم من تشديدها على أن هذا اللقاء من غير الممكن أن ينتج حلاً، حيث تلفت إلى وجود ما يوحي بأن المطلوب الإنتهاء من الإستحقاق الرئاسي في مدة لا تتجاوز الشهرين، تمهيداً لتفادي إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ظلّ الشغور الرئاسي، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة تعتبر هذا المنصب من بين المناصب التي لا يمكن التهاون في هوية من يشغلها.