لم تنته العاصفة القضائية التي ضربت العدلية الأسبوع الفائت بسبب المواجهة المفتوحة التي إنطلقت بين المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، لكنها هدأت بعض الشيء أقلّه لناحية المعلومات غير الدقيقة التي سُرّبت والبعيدة كل البُعد عن النصوص القانونيّة والقواعد المتبعة، ولعل أبرز ما سُرّب وكُتب بعيداً من لغة العقل والقانون، هو الكلام عن أنّ القاضي البيطار لم يعد محققاً عدلياً، وأنه في حال نزل الى مكتبه في قصر عدل بيروت سيتم توقيفه بناء على إدّعاء المدعي العام التمييزي.
فعلاً ما كُتب وسُرّب جعلنا نشعر أننا في عصفوريّة وليس في العدليّة، أولاً لأنّ البيطار لا يزال محققاً عدلياً وسيبقى الى حين أن يرفع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري توصية الى مجلس القضاء الأعلى بتعيين محقّق عدليٍّ جديد، والى حين أن يوافق مجلس القضاء على الإسم المقترح من الوزير، عندها يصبح البيطار محققاً عدلياً سابقاً.
أما الأمر الثاني الذي جعلنا نشعر أننا في عصفوريّة لا في العدليّة، هو سيناريو توقيف البيطار إذا نزل الى مكتبه، وذلك بسبب إدعاء القاضي عويدات عليه. هذا السيناريو سرعان ما سقط بمجرد نزول البيطار الى مكتبه يوم الأربعاء الفائت وإجتماعه برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
وعن هذا السيناريو المُختلق تقول مصادر قضائيّة متابعة إن توقيف البيطار بناء على ادّعاء عويدات عليه بجناية إغتصاب السلطة هو أمر لا يتحقّق بالسهولة التي يعتقدها البعض، ويجب أن يخضع لآلية نصّ عليها قانون أصول المحاكمات الجزائيّة. فإنطلاقاً من نصّ المادة 347 من هذا القانون أُحيل إدّعاء عويدات على البيطار الى الرئيس الأول لمحاكم التمييز أيّ الى القاضي سهيل عبّود، وكان من المفترض بحسب المادّة عينها أن يعيّن الأخير قاضياً من درجة القاضي بيطار على الأقلّ للتحقيق معه، لكنّ المصادر المتابعة للملفّ ترجّح أن ينام ملفّ الإدّعاء هذا في الأدراج بقرارٍ من عبّود، الذي يرفض المسّ بالبيطار، ولكن فلنفترض أنّ عبّود عيّن أحد القضاة وكلّفه مهمّة التحقيق مع القاضي العدلي البيطار، ولنفترض أيضاً أن قاضي التحقيق المذكور رأى أن الأمر يقتضي التوقيف فعليه أن يصدر بحقه مذكرة توقيف لن تكون نافذة بحسب المادة 348 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة إلا بعد موافقة الرئيس الأول لمحاكم التمييز عليها وهنا المقصود أيضاً القاضي سهيل عبود نفسه.
هذا السيناريو السوريالي، كيف إخترعته مخيلة البعض وكيف صدّقه عقل هذا البعض وهو في الحقيقة أمر غير وارد على الإطلاق بما أنّ القاضي عبود هو الداعم الأول لبقاء البيطار في منصبه فكيف له أن يوافق على توقيفه؟! فهل ستتوقّف مخيّلة نشر الشائعات أم أنّها ستعمد بتكيك الى اعتماد هذا الأسلوب بشكل متواصل؟.