في الأسبوع الماضي، طغت على بساط البحث مجموعة من السيناريوهات الرئاسية، التي ترافقت مع بروز أكثر من حراك من قبل بعض الجهات السياسية، تحت عنوان ضرورة الخروج سريعاً من حالة الشغور المستمرة منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، الأمر الذي عاد إلى التراجع لاحقاً، بعد أن أكدت المعطيات أن ليس هناك من هو على اتعداد للتسليم بخيارات الفريق الآخر، في حال نجح في توفير الأكثرية المطلوبة لصالح مرشحه.
في هذا الإطار، كان المرشحان الأبرز منذ البداية العنوان الأساسي لهذه السيناريوهات، أي رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، بعد أن كانت قوى الثامن من آذار قد ألمحت إلى إمكانية الذهاب بعيداً بترشيح الأول، في حال نجح بتأمين 65 صوتاً من خارج الكتلتين المسيحيتين الأكبر، أي "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، بينما كان رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط واضحاً في الإنتقال إلى تبني ترشيح الثاني، في حال كان هناك من فرصة لإنتخابه.
في مطلق الأحوال، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه في خلاصة الإتصالات والمشاورات التي عقدت، تبين أن ليس هناك بينهما من يستطيع الوصول إلى أكثر من 50 صوتاً في أحسن الأحوال، أيّ أنهما لا يزالان في مكان بعيد عن العتبة الأولى التي من الممكن أن تقود إلى إنتخاب أيّ منهما، قبل الإنتقال إلى البحث في كيفية توفير نصاب جلسة الإنتخاب، الذي يتطلب حضور 86 نائباً، ما يعني أنّ الظروف المناسبة لم تتوفّر حتى الآن للحديث عن إقتراب موعد إنتخاب الرئيس المقبل.
في هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الإنتقال إلى المرحلة الثانية يتطلب تبدلاً في موقف أحد أو بعض الأفرقاء الأساسيين، لصالح أحد المرشحين المذكورين أو لصالح نظرية الخيار الثالث التي يتبناها "التيار الوطني الحر"، كخروج "الثنائي الشيعي" من دائرة دعم فرنجيّة لصالح عون أو مرشح آخر، أو ذهاب التيار إلى دعم رئيس تيار "المردة" أو قائد الجيش، أو تبني "الإشتراكي" ترشيح فرنجيّة أو ذهابه إلى توافق مع "الوطني الحر" على مرشّح ثالث، أو الوصول إلى تفاهم بين "الوطني الحر" و"القوّات" على مرشح، يقطع الطريق أمام باقي السيناريوهات.
في الفترة الفاصلة، تتوقف هذه المصادر عند عودة الجميع إلى التلويح بورقة النصاب، أي تعطيل جلسات الإنتخاب لمنع الفريق الآخر من إيصال مرشحه في حال جمع الأصوات اللازمة له، وهو ما كان قد عبّر عنه بشكل واضح رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل الأسبوع الماضي، حيث ترى أن هذا الموقف يقطع الطريق أمام ما كانت تطرحه قوى الثامن من آذار، على إعتبار أنّ رئيس تيار "المردة" هو المعني الأول به، طالما أنّ إنتخاب قائد الجيش يتطلب تعديلاً دستورياً.
على صعيد متّصل، توضح مصادر نيّابية متابعة، عبر "النشرة"، أن غالبية القوى، في الوقت الراهن، تنتظر ما قد يحصل بعد لقاء باريس الخماسي، الذي يضم فرنسا، السعودية، أميركا، قطر ومصر، بالرغم من أنّ الرهانات على ما قد يصدر عنه ليست بالكبيرة، حيث تشير إلى أنّ مجرد إنعقاد اللّقاء مؤشّر على أنّ الإهتمام الدولي بالساحة اللبنانيّة قائم، بغضّ النظر عن عدم حماسة القوى المؤثّرة فيه، تحديداً واشنطن والرياض، إلى التدخل المباشر، في ظل الأوضاع القائمة على الساحة الإقليمية.
وتعتبر المصادر نفسها أن ما ينبغي التوقف عنده هو تراجع حدّة بعض المؤشّرات في الوقت الراهن، من الفوضى التي كانت ترافق الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وصولاً إلى قرار المحقق العدلي في إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار تأجيل جلسات التحقيق المحدّدة خلال شهر شباط، الّتي كانت من المتوقع أن تكون عنواناً لعودة الصراع القضائي، التي كانت قد شهدتها العدليّة في الأسبوع ما قبل الماضي.
في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ ما يمكن التأكيد عليه هو أنّ الجميع لم يخرج من دائرة الإنتظار، لما قد يأتي من الخارج من تطورات، بالتزامن مع الإستعداد لرفع "فيتو" النصاب، نظراً إلى أنّ القوى الأساسية تعتبر أن من غير الممكن السماح بوصول أيّ رئيس ستكون ولايته 6 سنوات بدون أي أثمان، وبالتالي تريد أن تكون شريكة في التسوية المنتظرة، خوفاً من التداعيات التي قد تترتب على ذلك.