فجأة وفي خطوة لم تكن متوقعة، أعلن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور تنحّيه عن ملف فساد النافعة، الذي سبق أن فتحته المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب في شهر تشرين الثاني الفائت وأشرفت على تحقيقاته، التي أدت الى توقيف أكثر من مئة شخص بين مدير ورئيس مصلحة وموظف وسمسار، شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
قرار منصور فاجأ الكثيرين في العدلية لأن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان كان في البداية متحمساً جداً للبتّ بالملف، وذهب بعيداً في قراراته عندما أبطل بقرار منه محضر التحقيق الذي أعدته الخطيب مع رئيسة هيئة إدارة السير الموقوفة بملف فساد النافعة هدى سلوم، معتبراً أنه جاء خلافاً للقوانين كون الخطيب هي التي دوّنته شخصياً ومن دون وجود كاتب معها خلال جلسة إستجوابها لرئيسة هيئة إدارة السير. مصادر متابعة للملف كشفت أن تنحي منصور عنه جاء لأكثر من سبب وسبب، أولها أن الهيئة الإتهامية في جبل لبنان برئاسة القاضي بيار فرنسيس فسخت قراره، معتبرة أن محضر تحقيق الخطيب مع سلوم قانوني مئة بالمئة وحتى لو أعدّ من دون كاتب، والسبب الثاني يعود الى القرار الأخير الذي صدر منذ أيام عن محكمة التمييز الجزائيّة برئاسة القاضية سهير الحركة، وفيه صدّقت الاخيرة قرار الهيئة الإتهامية الذي فسخ قرار منصور وردت طلب النقض المقدم من وكيل سلوم بتحقيقات القاضية الخطيب، الأمر الذي أكد للمرة الثانية وبشكل نهائي أن محضر تحقيق الخطيب مع سلوم قانوني، وهنا يفيد المطلعون بأن القرارين الصادرين عن الهيئة الإتهامية ومحكمة التمييز شكّلا ضربة للقاضي منصور، الذي تشير المعلومات داخل قصر عدل بعبدا أنه كان يميل الى إخلاء سبيل سلوم، الأمر الذي لم يعد ممكناً له ولأي قاضٍ غيره بعد القرارين الأخيرين.
المتابعون لملف فساد النافعة إعتبروا أن تنحّي القاضي منصور يخدم الملفّ ويؤمن حسن سير العدالة، والسبب لأنه سبق له خلال الأسبوعين الفائتين أن أخلى سبيل موقوفين ملاحقين بجناية تزوير مستندات رسمية وإستعمالها، علماً أنه لم يمر على توقيفيهم أكثر من شهرين، بينما العقوبة التي يجب أن ينالها هؤلاء من موظفين ومعقبي معاملات تتراوح بحسب النصوص القانونية بين ستة أشهر على الأقل وثلاث سنوات.
في المقابل أزعج تنحّي القاضي منصور كثيراً فريق الدفاع عن هدى سلوم، على إعتبار أن قراراته كانت تصبّ في مصلحة رئيسة هيئة إدارة السير. إزعاج عبّرت عنه أوساط فريق الدفاع بالتلويح بتقديم طلب رد بحق قاضي التحقيق، الذي سيتولى الملف بعد منصور إذا كان القاضي الجديد على تنسيق مع النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، وكأن فريق الدفاع نسي أو تناسى أنّ النيابة العامة الإستئنافية هي خصمه في الملف ولن تهادنه، كما انها لن تترك طريقة او وسيلة قانونية إلا وستستعملها كي تدافع عن قراراتها وعن الحق العام.
إذاً، ملف النافعة لا يزال على السكّة القضائية السليمة، فهل سيقفل تنحي منصور كل الأبواب والمحاولات الهادفة الى إقفاله، وإخلاء سبيل المرتكبين على قاعدة عفى الله عما مضى؟!.