فرض الزلزال الذي سبّب كارثة في تركيا وسوريا تداعياته على الأجندة الدولية. منطقياً، ليس بمقدور العواصم الغياب عن المساحة الإنسانيّة، مهما تعاظمت الخلافات والتباينات بين المحاور الدولية، والتي تشكّل دمشق ركناً اساسياً فيها حالياً الى جانب الروس في معركتهم ضد الغرب في اوكرانيا.
أتت الكارثة تثبّت ان المجتمع الدولي يكيل بمكيالين: دعم تركيا، والاحجام عن مؤازرة سوريا، علماً ان كلاهما منكوبان نتيجة زلزال واحد. إلى متى؟.
تشكّل الأزمة الحالية مدخلاً للعواصم للعودة الى سوريا من البوابة الانسانية. عربياً، تقدّمت الجزائر والامارات المتحدة، ولبنان، ومملكة البحرين، ثم مصر، وسلطنة عُمان، والمملكة الاردنية الهاشمية، نحو دمشق بخطوات انسانية وسياسية.
شكّل اتصال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالرئيس السوري بشار الاسد-هو الأول من نوعه، رغم ايجابيات العلاقات بين دمشق والقاهرة- خطوة على صعيد عودة مسار التعاون القيادي بين البلدين. واذا كان هناك غياباً للمملكة العربية السعودية عن المشهد، فإن المعلومات تتحدث عن تواصل بين دمشق والرياض ودعم سعودي وازن سيتظّهر قريباً. فهل يدخل ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان سوريا من البوابة الانسانيّة يدشّن فيها عودة العلاقات الطبيعية بين بلدين شقيقين؟ بالطبع فإنّ خطوة كهذه ستعزّز من مكانة بن سلمان عربياً، وتفتح المجال امام عودة العلاقات بين البلدين.
لن تستطيع دول غربيّة انتقاد اي خطوة في هذا المجال، لأنّها ستكون محرجة امام شعوبها التي تؤيّد تقديم المساعدات الانسانية للسوريين ومساندتهم في نكبتهم، وهو ما يستلزم رفع الحصار عملياً عن سوريا، وازالة العقوبات المفروضة اميركياً على دمشق.
وبحسب المعلومات فإن مشروع قرار يُحضّر في اروقة دمشق وحلفائها، سيجري تقديمه في مجلس الأمن الدولي لرفع العقوبات، وفي حال رفضت الدول الغربيّة المشروع المذكور، فإنّها ستكون في أشدّ مستويات الحرج الشعبي الدولي، حيث لا قدرة على مواجهة الحقائق الكارثيّة التي تُظهرها تداعيات الزلزال.
من جهة ثانية تدفع الكارثة ايضاً الدولتين التركيّة والسوريّة نحو تسريع خطوات التسوية بين البلدين التي كانت بدأت في لقاءات امنية-عسكرية وصلت الى حدود اجتماع وزيري الدفاع والقادة الامنيين. كان من المُنتظر ان يجتمع وزيرا خارجية البلدين في الاسابيع المقبلة، ترتيباً للقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان والسوري بشار الاسد، لكن الكارثة التي اصابت البلدين معاً قد تدفع الى تواصل بين الرئيسين المذكورين من دون شروط متبادلة، بإعتبار ان التنسيق صار مطلوباً لإحتواء تداعيات الكارثة.
صارت المجموعات المسلحة في شمال سوريا، تحديداً في ادلب، في وضع حرج ايضاً ازاء المستجدات: لا تستطيع ابقاء المناطق مقفلة امام عودة المساحات الى احضان الدولة السوريّة، خصوصاً ان الحاجة ضرورية الى مؤسسات الدولة التي يجب ان تستلم المساعدات، دون سواها، وتباشر عمليات مؤازرة المتضررين على الصعد كافة.
فلننتظر خطوات متقدمة بكل اتجاه، بدءاً من مجلس الامن الدولي، الى العالم العربي، الى تركيا، وصولاً الى المناطق العاصية على الدولة السوريّة، مختصرها العودة الى دمشق من البوابة الانسانية التي تشكل مدخلاً شرعياً لاعادة الحسابات في العلاقات مع دمشق.