لا توجد كلمات تصف المأساة والكارثة التي حلت بتركيا وسوريا من الناحية الانسانية بفعل الزلزال المدمر الذي ضربهما، ولا تزال ارقام الخسائر البشرية ترتفع بشكل مخيف لتعكس هول المصيبة. وكالعادة، خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط، لا يمكن فصل الاحداث عن الطابع السياسي، حتى ولو كانت متعلقة بالناحية الانسانية والاجتماعية البحتة، والامثال كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الازمة اللبنانية الحالية (اقتصادية اجتماعية مالية)، والازمة الصحية (كورونا، كوليرا...). اليوم، الكارثة التي لم يمض سوى ايام معدودة على حصولها، حملت وللاسف، طابعاً سياسياً ايضاً، لان سوريا لا تزال عرضة للعقوبات والحصار والعقوبات من الغرب والعرب على حد سواء، ولم تشهد منذ فترة قصيرة سوى محاولات خجولة لكسر هذا الحصار من جانب الجول العربية، فيما لم تنضج بعد المساعي السياسية لاعادتها الى جامعة الدول العربية بعد غياب طويل بدأ بتجميد عضويتها عام 2011 ولم ينته. وضع الكثيرون النقص في المساعدة العربية والدولية للسوريين في مصابهم الاليم الحالي، في خانة الخوف من عقوبات وانتقاماً من النظام السوري، فيما انهالت المساعدات على تركيا من مختلف دول العالم. ولكن، لابد من التوقف عند الموقف اللبناني الذي يعتبر اساسياً في قراءة الوضع في المنطقة بشكل عام، فالانقسام اللبنانيحيال التعاطي مع سوريا لم يتغيّر، كما ان حرص بيروت على مراعاة التوجه الغربي تجاه العديد من الامور ومن بينها العلاقة مع سوريا لم يتغيّر بدوره، وعليه يمكن البناء على اي موقف يتخذه لبنان تجاه سوريا على انه بمثابة مؤشر لبوصلة غربية الى حد ما للتعاطي مع دمشق.
من هذه الوجهة، يجب النظر الى مبادرة ارسال لبنان المساعدة الى سوريا. في المبدأ، من غير المنطقي التعويل على لبنان حالياً لارسال اي مساعدة من اي نوع كانت الى اي بلد، فهو الذي ينتظر المساعدات ويطلبها بفعل ما يعاني من ازمة اقتصادية-اجتماعية-مالية-صحية-حياتية وحتى سياسية، وليس بوضع يخوّله تقديم المساعدة للآخرين. ولكن هذا لم يمنع من مشاركته في حملة المساعدة لسوريا والاهم انه ارسل وفداً وزارياً في هذا السياق، ما حمل دلالات اضافية على ان المسألة تتعدى الناحية الانسانية. ولا يمكن لاحد ان يصدق انه بمقدور لبنان اتخاذ مثل هذه الخطوة من دون التنسيق مع الادارة الاميركية اولاً في هذا المجال، فهو لم ينجح في تحسين اوضاعه الاقتصادية وفي حقل الطاقة لاستجرار الغاز والنفط عبر سوريا بفعل التعقيدات الاميركية، فمن اين سيأتي بالقوة الكافية لتحدي الاميركيين بارسال وفد وزاري الى سوريا، والمشاركة بحملة الاغاثة ولو بشكل رمزي؟.
هذا تحديداً ما توقف عنده العديد من المراقبين، واعتبارهم ان ما حصل انما يؤشر الى تغيّر ما في التعاطي الدولي مع سوريا، لم يصل الى حد انهاء القطيعة، ولكن من المؤكد انه حرك المياه الراكدة في العلاقة القائمة بين العالم وسوريا التي قد تعود الى الخريطة الدولية بعد اكثر من 12 سنة على اندلاع الحرب فيها، فيما الوضع الامني حالياً بات افضل بكثير ولم تشهد الاراضي السورية اي نزاع عسكري حقيقي. غير ان المعضلة الحقيقية تكمن في مسألة النازحين السوريين، ليس فقط في لبنان، بل في كل الدول التي لجأوا اليها، فعودة سوريا الى الحضن الدولي، تعني حكماً سقوط آخر الذرائع لدى الغرب للابقاء على النازحين في الاماكن التي تستقبلهم، وهو امر اساسي لا يبدو ان الغرب مستعد للتخلي عنه بعد. وليس من المبالغ فيه القول ان هذه النقطة قد تكون العقبة الرئيسية التي تقف امام استعادة سوريا صورتها في العالم، لانه على الرغم من فداحة نتائج الزلزال الاخير، لكنها لن تكون كافية لاقناع الغرب بالتخلي عن "توطين" السوريين في البلدان التي لجأوا اليها، اقلّه في الوقت الراهن...