على مدى سنوات طويلة، منذ تاريخ إغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط من العام 2005، كان الجميع ينتظر المواقف التي سيطلقها نجله رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الذكرى، بالنظر إلى التداعيات التي قد تترتب على ذلك، خصوصاً بعد أن كان الرجل من زعماء قوى الرابع عشر من آذار الأساسيين.
في العام الماضي، وبعد أن كان قد قرر تعليق عمله السياسي وعدم المشاركة في الإنتخابات النيابية التي أجريت في شهر أيار الفائت، تساءل اللبنانيون عما اذا كان الحريري في وارد التراجع عن هذا القرار، بسبب البلبلة التي كان من المتوقع أن يتركها على الصعيدين السني والوطني معاً، أما اليوم فيبدو أن عودته، أول من أمس، للمشاركة في الذكرى لا تحظى بأيّ أهمية تذكر، بالرغم من أنه، رغم غيابه، لا يزال الأقوى على الساحة السنية.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس الحكومة السابق البعيد عن يوميات الحياة السياسية اللبنانية، فلا هو داخل الصراع القائم على رئاسة الجمهورية، بما تحمله معها من إشتباكات بين الأفرقاء المتخاصمين، ولا هو في وارد الدخول في أي رهانات تذكر، طالما أنه يدرك جيداً مكمن المشكلة التي يواجهها على المستوى الشخصي، وبالتالي، على الأقل حتى الآن، ليس لديه ما يقدمه إلى جمهوره، الغارق كغيره من اللبنانيين في متاهة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي تتصاعد يوماً بعد آخر.
من وجهة نظر هذه المصادر، أبرز ما قد يشغل بال الحريري، في الوقت الراهن، هو الطروحات التي تقدم في بعض الأوساط الدولية، بالنسبة إلى رئاسة الحكومة المقبلة في العهد الجديد، نظراً إلى أنها لم تعد تضمن إسمه كمرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، على إعتبار أن المواصفات التي يتم التداول بها لا تنطبق عليه، مع العلم أن مصدرها جهات إقليمية ودولية كانت تقدم الدعم له على مدى سنوات طويلة.
واقع رئيس الحكومة السابق، لا يعكس فقط أزمة زعامة سياسية على المستوى الشخصي، بل هو أيضاً أزمة مكون لبناني، أي الطائفة السنية، لم ينجح حتى اليوم في إنتاج قيادة جديدة له، بالرغم من كل المحاولات التي حصلت، في ظلّ وجود مجموعة واسعة من الطامحين إلى وراثته، في حين أن البلاد تمر بأصعب لحظة تاريخية، منذ إتفاق الطائف، تعود فيها الدعوات إلى إعادة النظر في التركيبة والصيغة إلى الواجهة من جديد.
بالنسبة إلى المصادر المتابعة، هذا الأمر قد يكون من أبرز أوراق القوّة التي لا تزال في جيب الحريري، حتى الآن، على إعتبار أنه في ظل غياب البديل لا يزال هو "الأمل" بالنسبة إلى فئات واسعة من الذين كانوا ينتمون إلى مشروعه السياسي، لكنها تشير إلى أنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة يتعلّق بالفترة الزمنيّة التي ستبقى فيها هذه الفئات في حال إنتظار، خصوصاً أن الطبيعة تكره الفراغ والجمهور بحاجة دائماً إلى من يتولى القيادة في اللحظات الصعبة، كتلك التي يمر بها لبنان راهنا.
في قراءة هذه المصادر، المعضلة الأساس التي تواجه الساحة السنية على المستوى القيادي، تكمن بأن الجهة الإقليمية التي من المفترض أن تكون الراعي الأول لها، أي المملكة العربية السعودية، لا تزال بعيدة هي أيضاً عن الخوض في تفاصيل الملف اللبناني، حيث تكتفي بوضع الشروط التي تربط عودتها إلى الساحة المحلية في تطبيقها، بينما هي، فيما لو قررت ذلك، قادرة على حسم الأمور في أكثر من مجال.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنه حتى تقرر الرياض ما تريده على المستوى اللبناني، يستطيع جمهور الحريري أن يستمر بالحديث عن أنه يمكن أن يشكل كتلة نيابية وازنة، في اللحظة التي يقرر فيها العودة إلى الحياة السياسية، بالرغم من أنّ تيّاره على المستوى الرسمي لم يشارك في الإنتخابات الماضية، الأمر الذي يتطلب أن يكون جزءاً من أيّ تسوية كبرى تعقد، لكن ماذا لو لم تنصّ التسوية على أن يكون أحد أركانها الأساسيين؟!.