كان منتظراً ان يدخل لبنان في مساحة التبريد التي كانت تعمّ أجواؤها الإقليم في نهاية الصيف الماضي، ثمّ توّجت بقرار ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والاسرائيليين، لكن إحتدام الحرب الروسية-الغربية في أوكرانيا، وفرملة الاندفاعة الغربية-الايرانية التي كانت تستعد لبت الاتفاق النووي، وتعدّد المطبّات في طريق الحوار الايراني-السعودي، أعادوا، بدرجة أولى، الإقليم الى سخونة الساحات سياسياً، إقتصادياً، اجتماعياً، وامنياً.
واذا كان القرار الدولي عند مختلف الاتجاهات يقضي بالحفاظ على استقرار لبنان، بدليل تقديم المساعدات للقوى العسكرية والامنية اللبنانية. فإن ذاك الاستقرار لا يشمل السياسة ولا الاقتصاد: بقيت التباينات بين القوى السياسية في لبنان قائمة، تحديداً حول انتخاب رئيس للجمهورية، من دون لا حوار ولا تسوية ولا تدخلات خارجية، لا عربية ولا اقليمية ولا دولية، وعدم إجراء اي وساطة، بل اقتصرت الادوار الخارجية على حث اللبنانيين على الاتفاق وانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة واجراء الاصلاحات المطلوبة.
في وقت يشهد فيه لبنان إزدياداً لتداعيات الأزمة الإقتصادية الى حدود الكارثة التي طالت اللبنانيين بالغلاء وعجز الرواتب عن تلبية متطلبات المعيشة وانخفاض قيمة العملة الوطنية الى حدود خيالية امام الدولار.
هل تُرك لبنان نهائياً لقدره؟ ام هو ساحة اشتباك دولية؟.
تتحدّث المعلومات عن عودة الإهتمام الأميركي بالمنطقة انطلاقاً من لبنان، الذي يستعد لفتح واشنطن فيه اكبر سفاراتها، وهو يعني عملياً: لبنان اولوية اميركية.
في وقت يبدو فيه هذا البلد اولوية من الاساس ايضاً لخصوم الولايات المتحدة ايضاً، وتحديداً ايران التي ترتبط بحلف سياسي وعقائدي وثيق مع أبرز قوى لبنان: "حزب الله". فيشكّل هذا الوطن قاعدة الحزب المذكور شعبياً ولوجستياً وعملانياً.
من هنا يأتي الكلام عن رغبة دولية بهز لبنان اجتماعياً واقتصادياً، ليس من اجل اعادة تركيب نظامه، بل من اجل فرض تنازلات "حزب الله" وحلفائه الاقليميين، لبنانياً وخارجياً، تكتيكياً واستراتيجياً، سياسياً وعسكرياً.
لذا، اتى كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الساعات الماضية للرد على ذاك السيناريو عبر نقل المعركة الى مواجهة مع اسرائيل.
ماذا بعد؟.
لا يوجد مخاوف من تفلّت امني في لبنان، لإعتبارين اساسيين:
-قدرة الجيش والقوى الامنية على الحسم، كما هو ظاهر في خطاب واداء قائد المؤسسة العسكرية العماد جوزاف عون، الذي لا يُبدي اي مرونة حيال الموضوع الأمني. وهو يشكّل طمأنينة للبنانيين.
-لا يوجد تمويل لأي فريق او مجموعات، لا من الداخل ولا الخارج، كما كان يحصل سابقاً عند اشعال الشارع.
لذلك، ستقتصر التحركات الشعبية على احتجاج المواطنين المتألمين من نكبتهم الاقتصادية المعيشية. وهو امر مهما جاءت اشكاله، لا يؤدي الى نسف الامن ولا تغيير المعادلات.
لكن ذلك لا يعني امكانية دخول عوامل جديدة لاحقاً، تفرض قواعد اشتباك ميدانية جديدة في الشارع اللبناني، لا تزال مستعبدة الحصول، بإعتبار ان الرهان الخارجي هو على الاستسلام اللبناني إقتصادياً، وقد لاحت بوادره بعد ثلاث سنوات من الصمود في وجه كل اشكال الضغوط.
لن يكون لبنان ساحة اشتباك، الا في حال مضت القوى الخارجية في معاركها الاقتصادية-السياسية حتى النهاية، ثم تطورت المواجهة الى امنية-عسكرية، ومن هنا يتم قياس كلام نصرالله عن نقل المعركة الى اسرائيل.